صوت غزة في مخيم البداوي يشعل القضية من جديد

إسراء ديب
إسراء ديب

أحرقت الضربات الإسرائيلية المتكرّرة على غزة، قلوب أبناء مخيم البداوي. فمع كلّ غارة يشنها العدو، يحزن الفلسطينيون على تدمير المنازل وسقوط الأبرياء، ومع كلّ صاروخ يُطلقه الفلسطينيون على العدو، يصفق أبناء البداوي فرحاً وتهليلاً بنصر يرونه قريباً جداً.

مساندة القضية الفلسطينية

بعد رؤيته مشاهد العنف عبر وسائل الإعلام، لا سيما في غزة، لم يتمالك أحمد حسن حج خليل (22 عامًا) نفسه من الغضب، وتعبيراً عن ذلك توجه نحو الحدود اللبنانية ـــ الفلسطينية جنوباً، مع 250 من سكان المخيم، بينهم لبناني وسوري، للتظاهر والتنديد بما يحصل في غزة.

لا يخفي أحمد اندفاعه الكبير ورغبته بتحرير الأراضي المحتلة، مؤكّدًا عدم خوفه من العدو أو أيّ جهة أخرى، فهو كغيره من الشبان في مخيم البداوي كان قد أنهكهم الفقر والبطالة بشكلٍ كبير، فهؤلاء الشبان المحرومون من العمل في 72 مهنة في لبنان، يرون أنّ الموت في سبيل الوطن هو الطريق الوحيد لإنقاذهم وانتشالهم من الواقع المرير.

ويقول لــ”لبنان الكبير”: وصلنا عند بوابة فاطمة، فوجهنا الجيش اللبناني إلى منطقة العديسة، ووجدنا حائطًا كبيرًا بناه العدو، فحاولت مع العديد من الشبان تجاوز الحدود ليقوم الجيش اللبناني بملاحقتنا، وحذرني أحد الضباط من المتفجرات والألغام، ثم حصل تضارب بشكلٍ مفاجئ معهم ولم أشعر إلّا بالضربات التي لم تترك مكانًا في جسدي إلّا وأنهكته، إضافة إلى حصول اعتقالات عدّة وضربت امرأة أيضًا، فضلًا عن قيامنا بتكسير كاميرات وأشرطة كهربائية تابعة للجيش الإسرائيلي”.

ويضيف: “سألني أحد العناصر كيف ستُحرّرون الأرض دون سلاح؟ فأجبته أنّ “الحجارة كانت وما تزال سلاحنا الوحيد”. مشيرًا إلى أنّ “الضابط في الجيش شدّد على محاسبته لكلّ من اعتدوا على المتظاهرين بالضرب جنوبًا”.

أمّا محمّد وهو شقيق أحمد، فيقول: “كنت أخطط في هذه المظاهرة للتوجه إلى الحدود بلا رجعة، وحين وصلنا إليها ورأيتها شعرت برغبة شديدة في دخولي إلى أرضي لأركع وأقبّل كلّ شبر فيها، فمن لديه وطن لا يخشى من شيء ولا يُهان أو يُستهان به، كما أنّني مستعدّ للتوجّه مرّة جديدة إلى الحدود، لأنّني أحلم يوميًا أننا سننتصر ولا نريد منهم شيئًا سوى فتح باب الحدود لندخل إلى جنة نطمح الوصول إليها”.

بدوره، اعتبر محمّد خضير وهو كان مع المتظاهرين جنوبًا، أنّ الظلم الذي يُواجهه الفلسطيني في لبنان كبير جدًا، ويقول: “فلسطين بلدنا ونحن فداء هذه البلاد التي لم نرها يومًا ولم تطأها أقدامنا بعد، ولكننا مستعدّون لمواجهة كلّ الأخطار”، داعيًا إلى “التنسيق بين السلطات اللبنانية والمتظاهرين كيّ لا تحصل اشتباكات بين الطرفين”.

من جهته، يُؤكّد عضو قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان ومسؤولها في البداوي عاطف خليل، أنّ “أيّ حدث يُصيب القدس أو غزة سُيؤدّي إلى ردّ فعل في المخيم”، موضحًا أنّه “في آخر مظاهرة جنوبية قام الشبان بها، كانت على حسابهم الخاص ودون تخطيط أو تصريح من أحد، ما يُشير إلى الانتماء القوي لأبناء المخيمات في لبنان كلّه إلى القضية، وأنّها لا تزال من أولوياتهم على الرّغم من كلّ الضغوط التي يُواجهها الفلسطيني”.

ولم يمنع اللاجئ إبراهيم منصور (43 عامًا) ابنه من المشاركة في التظاهرات، مشدّدًا على أنّ “القضية الفلسطينية هي حقّ لهم بخاصّة في ظلّ وجود أمّة عربية متخاذلة تُحارب الحقّ وتنصر الباطل”.

ذكريات اللجوء لا تغيب

يأبى فلسطينيو الـ 48 نسيان ذكرياتهم وكيفية خروجهم بشكلٍ قسريّ من البلاد، ويقول نائب مسؤول اللجنة الشعبية بالبداوي يوسف شتلي (مواليد العام 44): “خرجنا من بلادنا في 15 أيّار 1948 وسط التهديد والسلاح، ووصلنا إلى صور ثمّ إلى طرابلس الميناء واستقرّينا في اسطبل للخيول، وكانت حياتنا مرارة طافحة، وفيما بعد انتقلنا إلى نهر البارد ثمّ إلى البداوي بعد قيام الأونروا باستئجارها لمدّة 99 عامًا في السبعينيات”، لافتًا إلى أنّ “أغلب اللاجئين كانوا من الجليل”.

ويضيف: “ضغطنا على لبنان كان ضخماً ولا تتحمله الجبال، كما أنّ الدول العربية لا تساعد إلا بالكلام، ولكن ما يحدث الآن في غزة هو بداية نصر حقيقي”.

من جهتها، تتذكّر عليا حسن حمزة والدها وهو يحملها على كتفيه ليخرج من بيته بعد النكبة، وتقول: “لجأنا من مخيم إلى آخر وظروفنا كانت تعيسة، فقد اعتقدنا أنّنا سنرحل شهر أو شهرين وهي مسألة أيّام وسنعود إلى بلادنا ولكنّها كانت مسألة عقود وحروب عانينا فيها الأمرّين ولم يُساعدنا أحد بل الجميع ارتكب بحقّنا المجازر ودمّرنا”.

وبعد سردها كيفية انتقالهم من مخيّم إلى آخر وما واجهته في حياتها، لا تنكر عليا التي ألقت قصيدة ذكرت فيها فلسطين حنينها إلى أرض الوطن، لافتة إلى أنّ اليهود الفلسطينيين كانوا مثل الأخوة لهم، وتقول: “أتذكّر رجلاً يهودياً يُدعى إسحاق قال لوالدي لا تخرج من فلسطين وما يحدث معك سيحدث معي ولكن والدي خشي علينا كثيرًا فقرّر المغادرة على أمل العودة”.

أمّا الطفل خليل علي حمدان (13 عامًا)، فيُؤكّد أنّ الفلسطيني سيُكافح العدو حتّى بدون سلاح وسيتغلّب عليه بكلّ قوّته، ويقول: “أرضنا ليست من حقّهم وسندافع عن كلّ شبر فيها ولن نسكت عن حقّنا بل سنتمكّن من تحقيق النصر والتغلّب على عدوّنا الواحد”.

 

الصبر في عز الأزمات

لا يُخفي الأطفال الفلسطينيون الذين نشأوا في ظروف صعبة جدًا في المخيّمات، رغبتهم في قهر ومحاربة العدو، فهؤلاء لا يخشون الموت ولا يُريدون وطنًا بديلًا لبلدهم الأصلي، فهم لا ينكرون أنّ لبنان ساعدهم كثيرًا ولكن في الوقت عينه لا يرون العزة والكرامة الحقيقية إلّا بوصولهم إلى القدس وتقبيل أراضيهم المحتلة، وبالفعل من يزور المخيمات سيُدرك فعليًا معنى الانتماء إلى الوطن، وهذا ما تُؤكّده ضحى الناغي وهي تعمل في “جمعية النجدة الاجتماعية”، وتقول: “أعمل في المخيم منذ سنوات في التدريب المهني ــــ مجال التزيين وأتأثر بحب الفلسطينيين لأرضهم على الرغم من البعد الجغرافي، فحنينهم وشغفهم لبلادهم يكاد لا يُصدّق إذ تعلّمنا منهم الصبر في عز الأزمات”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً