إدمان وسائل التواصل… سبيل السعادة الوهمية

جنى غلاييني

أدى ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عالمياً إلى إثارة المخاوف بشأن الآثار التي قد تحدثها على الصحة النفسية للمستخدمين. ويستخدم الأفراد عموماً هذه الوسائل لأسباب عديدة، بما في ذلك الترفيه والتواصل والبحث عن المعلومات، ويقضي المراهقون والشباب وقتاً متزايداً على مواقع التواصل عبر الانترنت والألعاب الالكترونية والرسائل النصية ووسائل التواصل الأخرى، التي غيّرت في الحقيقة أشكال التفاعل الجماعي وسلوك مستخدميها حول العالم، وبالتالي أصبحت هناك مخاوف متزايدة بشأن الآثار السلبية المحتملة المرتبطة بإدمان استخدامها وخصوصاً على الأطفال الذين يستخدمون هذه التطبيقات من دون أي رقابة. والسؤال المطروح هنا هو ما إذا كان تطبيق “فيسبوك” الذي يعتبر أكبر شبكة اجتماعية حالياً يسبّب الأضرار التي يمكن أن تصيب مستخدميه؟

لا يمكن أن يكون الجواب حتمياً بـ “لا” أو “نعم”، بحيث وجد الباحثون أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأفراد على “فيسبوك”، زاد شعورهم بالسعادة والرفاهية، لكن ماذا يحصل عند التوقف عن استخدام هذا التطبيق؟

وجدت سيسيليا تيش أن ابنتها البالغة من العمر 13 عاماً عانت من صعوبات عقلية وجسدية متعددة بسبب هوسها بالـ “فيسبوك”، فقامت برفع دعوى قضائية منذ أسبوعين على شركة “ميتا” التابعة لـ “فيسبوك” والخاصة بمارك زوكربيرغ، مدعية أن ابنتها أصبحت مدمنة عليه منذ سن السابعة وحاولت إيذاء نفسها. وتزعم الدعوى أن الطفلة أصبحت تعاني من حرمان النوم وتشوه الجسم واضطراب الأكل وإيذاء النفس والقلق الشديد والاكتئاب، وأن استخدامها لمنصة “فيسبوك” التي تسبب الإدمان والمشكلة أدى بعد ذلك إلى القيام بإيذاء نفسها. كما تقول الأم انّ ابنتها بدأت تفقد الاهتمام بالأنشطة الأخرى وتظل مستيقظة طوال الليل بسبب الإشعارات المستمرة من “فيسبوك”.

لدى “فيسبوك” حد أدنى لسن الاستخدام وذلك منذ فترة طويلة، وتم تحديده لعمر 13 وما فوق، وهذا يعني أنّ الفتاة كانت تستخدم التطبيق خارج متطلباته لمدة ست سنوات تقريباً، ومع ذلك، فقد زعمت الدعوى أن إجراءات التحقق من العمر في هذا التطبيق ضعيفة وأن شركة “ميتا” تستغل عن قصد المستخدمين الضعفاء لتحقيق ربح. كما أنّ الفتاة أصيبت بالعديد من حالات الصحة العقلية التي لا تزال تعاني منها. وبحسب الدعوى القضائية فان “فيسبوك” يعاني من مشكلات تتعلق بالإهمال في التصميم ولا يحذر المستخدمين من آثاره الضارة.

وتشير الدعوى القضائية الى أنّ “ميتا” صممت “فيسبوك” للسماح للأطفال والمراهقين باستخدام منتجهم وإدمانه من دون موافقة أهاليهم.

إنّها ليست الدعوى الأولى التي ترفع ضد “فيسبوك” فهناك أكثر من 30 دعوى أخرى ولأسباب مختلفة. كما أنه ليس التطبيق الوحيد الذي تصوّب عليه السهام، ففي الشهر الماضي رفعت والدتان دعوى قضائية على “إنستغرام” المملوك أيضاً لشركة “ميتا” بتهمة دفع فتياتهما إلى فقدان الشهية ومحاولات الانتحار عن طريق الوصفات المقيدة للسعرات الحرارية.

وفي حديث لـ “لبنان الكبير” تؤكد الأخصائية النفسية بدر شهيب أن “الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يعد اضطراباً سلوكياً مصحوباً برغبة شديدة في متابعة المواقع وبالتالي تصعب السيطرة عليها، وهذا السلوك المفرط له تأثيرات سلبية جسدياً ونفسياً، ومن الناحية النفسية فإنّ التصفح الطويل للمواقع يزيد من انعزالية الفرد وانسحابه من دائرة العلاقات الاجتماعية وإحساسه بالوحدة وفقدان التواصل مع الآخرين”.

وتوضح أن “ما يدفع الفرد الى الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي أسباب عديدة، منها حالة الاكتئاب، والحاجة الى الاتصال والتأثير الاجتماعي، والضغوط النفسية التي يتعرّض لها، فيجد نفسه مندفعاً الى استخدام الانترنت لا إرادياً، من خلال القيام بتفقّد الاشعارات بصورة دائمة، أو حينما يتصل بمواقع التواصل فور استيقاظه”.

وعن الأثر النفسي والاجتماعي الذي يولّده هذا الادمان، تشير شهيب الى أن “إدمان الفرد على مواقع التواصل الاجتماعي تجعله في عزلة عن عالمه الواقعي ما يخلّف شعوراً بالوحدة والاكتئاب، وبالتالي يفتقر الى روابطه الأسرية والاجتماعية ولغة الحوار والتفاعل بينه وبين الآخرين مكتفياً بالعالم الافتراضي وبالبيئة التي أنشأها عبر هذه المواقع. لذا هذا التعلّق الشديد بمتابعة المواقع والتي تسبب له العزلة قد يؤدّي الى أذية النفس وربما محاولة الانتحار إذا لم يلق نتيجة ترضيه عبر عدم تسجيل إعجابات وتعليقات على فيسبوك أو انستغرام كما هو متوقع، وهو ما يمكن أن نقول عنه البحث عن السعادة الكاذبة أو الوهمية”.

وتشدد على أن “هناك علاجاً لمشكلة الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي أولاً عن طريق الأسرة التي تلعب دوراً مهماً في تحديد أوقات قضاء أولادها على الانترنت وخصوصاً الأطفال والمراهقون ووضع قيود لهم للامتناع عن استنزاف الكثير من الوقت على هذه المواقع، إضافة الى ممارسة النشاطات الأخرى كالرياضة أو أي نشاط يمكن أن يكون هواية عند الفرد، وفي حال عدم التغلب على الإدمان على الانترنت فيجب حينها اللجوء الى طبيب أو معالج نفسي”.

شارك المقال