دولرة جزئية للأقساط في المدارس الخاصة الكاثوليكية

لوتشيانا سعود

بدأ لبنان يتجه إلى دولرة إقتصاده منذ أن فقدت الليرة 90٪ من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء، وصنّف البنك الدولي الأزمة في لبنان بالأسوأ في العالم منذ العام 1850، فتجاوزت الدولرة قطاعات عدة بدايتها كانت مع تسعير المازوت رسمياً بالدولار وبعدها مستلزمات المستشفيات وشركات التأمين الصحية وكذلك الشركات الخاصة بالسيارات وقطع غيارها اضافة الى بدل الإيجارات وإشتراك المولدات وصولاً الى الأقساط المدرسية، فالدولرة وصلت الى القطاع التربوي في لبنان وتحديداً الى المدارس الخاصة الكاثوليكية. النظام التربوي هو نظام حر بحسب الدستور اللبناني والتعليم إلزامي لجميع اللبنانيين حتى الصف التاسع، ونتج تاريخياً من خلال هذا النظام قطاع تربوي عام وآخر خاص سبقه قبل الاستقلال، ولطالما تغنى لبنان بمستوى شهاداته والتعليم فيه والثقافة التي يتميز بها وانفتاحه على ثقافات الشرق والغرب.

القطاع التربوي في لبنان ولو أنه جاهز لاستقبال عام دراسي جديد 2022 -2023 إلا أنه يتحمل منذ سنتين تبعات الانهيار الاقتصادي وبعض التدابير التي ترافقت مع جائحة كورونا وفاقمت الأزمة، فالمدارس لا تمتلك التمويل الكافي للتشغيل كما يلزم، والأساتذة لا يتقاضون رواتب كافية تؤمن لهم إستقراراً معيشياً، والأهالي والتلاميذ لا يستطيعون التنقل بحرية بسبب أسعار الوقود، كل هذه العوامل تؤثر بصورة كبيرة على التعليم، فيما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن نسبة الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية انخفضت من 60 إلى 43 في المئة في العام الحالي.

الأزمة التعليمية لها أركان ثلاثة هي: الأساتذة الذين بات عدد المهاجرين منهم أو المستقيلين يفوق عدد العاملين، التلامذة وأهاليهم الذين تعجز قدراتهم عن تأمين إستمرارية تعليم أولادهم لا سيما في المدارس الخاصة والكاثوليكية ذات المستوى التعليمي العريق، وأخيراً المؤسسات التي تتكبد أعباء التشغيل والرواتب والمازوت المدولر.

وبعد أسابيع من المباحثات بشأن اتخاذ قرار بفرض نسبة من الأقساط المدرسية تدفع بالدولار، كان لـ “لبنان الكبير” حديث مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر الذي أوضح أن ”الأزمة تفوقنا لكننا لا ولن نستسلم ونقوم بالمقدور، وقد اتخذ القرار فعلاً بالدولرة”، مشيراً الى إنشاء صندوق للدعم يغذى من الأهالي والمساعدات المدرسية بهدف تقديم مساعدات بالدولار الى الأستاذة وتأمين المصاريف التشغيلية.

يحدد الجزء المدولر من الأقساط بحسب ميزانيات كل مدرسة المبنية على إمكانات الأهالي فيها ومصاريفها، على أن هناك معدلاً فرضته الهيئة العامة لادارة الوضع وهو مبني على مستويات ثلاث للمدارس الكاثوليكية جراء البيئة الإجتماعية والاقتصادية لها، مستوى الأهالي الذين يعتبرون متمكنين مادياً وتتراوح بين 600 إلى 800 دولار وصولاً في مدارس قليلة إلى 1000 دولار، أما المستوى المتوسط فبين 300 إلى 500 دولار، وأخيراً المدارس حيث لا إمكانية كبيرة لدى الأهل تقسم إلى قسمين: منها من لن يعتمد الدولرة وسيخصص لها بصورة أكبر مساعدات من الخارج للإستمرار التشغيلي والتعليمي، ومنها من سيتقاضى بين 100 أو 200 دولار وصولاً إلى 300. أما الأساتذة بدورهم فستكون مساعدتهم الشهرية بالدولار بحسب إمكانية المؤسسة التعليمية، فلا إمكان لتعديل الرواتب من دون قانون، وحالياً مع التبدل المستمر لسعر الصرف لا لجوء الى حل قانوني، إلا أنه وبحسب الأب نصر لا بد مستقبلاً من المطالبة بمعالجة حل قانوني تشريعي يوازي بين الأقساط والرواتب والأجور، ولكن لا معلومات لديه حالياً عن طرح الأمر في كواليس المجلس النيابي، لذلك تسعى الهيئة العامة للمدارس الكاثوليكية الى تجاوز الأزمة بأقل تكلفة وخسائر.

لجان الأهل كان موقفها واضحاً فهي متفهمة للخطوة لكنها حذرة، والخوف دائماً على الأهالي غير القادرين وعدم ظلم أي فئة، ولفت الأب نصر إلى أن الفئة غير القادرة على تأمين الدولار ستتم مساعدتها لعدم حرمان أحد من التعليم، والعسكريون وموظفو القطاع العام يصنّفون من هذه الفئة وهناك وعد بتخصيص المساعدات الخارجية لهم لسد ثغرة عدم قدرتهم على تحمل الدولرة أكثر من غيرهم.

إذاً دولرة الأقساط في المدارس الخاصة الكاثوليكية هي الحل الأنسب في الوقت الحالي، وهناك سعي دائم الى الالتفات إلى ما يناسب الأهالي والأساتذة على حد سواء وكذلك المؤسسات لعدم حرمان أي تلميذ من التعليم وللحفاظ على إستمرارية القطاع، ولو أن الأمر قانوناً ممنوع إلا أن الوضع الاستثنائي العصيب يفرض نفسه ما يفسر تجانس موقف وزارة التربية حول الموضوع وقبولها به، وهي السلطة الوصية على القطاع.

شارك المقال