إحياء ذكرى تجارة الرقيق… عبودية حديثة في لبنان

تالا الحريري

يصادف يوم 23 آب اليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها.  يُعرف الرقيق بالعبودية حيث كانت مجموعة من الناس تشتري أناساً آخرين ليقوموا بأعمال وأشغال في غالبيتها شاقة وبالسخرة أي من دون مقابل، وكان العبيد يتصفون قديماً بسواد بشرتهم. ومنذ إنتشار ظاهرة الرقيق إلى حين إلغائها لطالما كان يُنظر إلى الأشخاص ذوي البشرة السوداء على أنّهم أدنى مستوى ودائماً تُلقى عليهم التُهم ويتم تعنيفهم وهذا ما هو سائد بكثرة في الولايات المتحدة، وهذه القضية جعلت الكثيرين يطالبون بحقوق ذوي البشرة السوداء وأبرزهم مارتن لوثر كينغ في مقولته الشهيرة “لدي حلم”.

اليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” أعلنت هذا اليوم من كل سنة، يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا تجارة الرقيق وإلغائها من أجل معرفة أسبابها ونتائجها والأخطار المترتبة على العنصرية، بحيث شيد نصب تذكاري دائم لضحايا الرق في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ورفع الستار عنه في 25 آذار 2015. وتعتبر تجارة الرقيق واحدة من أخطر الجرائم ضد الانسانية التي شهدها العالم على الإطلاق.

تاريخ تجارة الرقيق

تاريخ العبودية طويل جدّاً ولا يقتصر على دولة أو إثنتين، بل إنتشر في جميع الدول وفي كل منها كانت هناك ممارسة معينة للعبيد وقصة مختلفة لهروبهم أو قتلهم وغير ذلك. تختلف القصص حول تاريخ تجارة الرقيق والى أي بلد تعود نشأتها. بعض القصص تروي أنّها كانت سائدة في روما أيام الإمبراطورية الرومانية بحيث مارس الأوروبيون تجارة العبيد الأفارقة وكانوا يرسلونهم قسراً الى العالم الجديد ليفلحوا الأراضي الأميركية، لتأتي بعدها البرتغال وإسبانيا في القرن 16 وإنجلترا في منتصف القرن نفسه ثم فرنسا وهولندا والدنمارك وصولاً إلى أميركا الشمالية. بينما يقول البعض انّ الرومان ورثوا العبودية من اليونانيين والفينيقيين.

من جهة أخرى، ذُكر أنّ الرق شاع فى عهد النبي إبراهيم، وأنّ فرعون مصر أهدى السيدة سارة زوجة النبي إبراهيم جارية، كذلك امتلك النبي سليمان أعداداً كبيرة من العبيد والجواري، كما اشتهروا في عهد النبي يوسف، الذي تعرض هو نفسه لمحنة الرق. وفي رواية أخرى قيل انّ اليهود كانوا من أكبر التجار وأشهرهم في أسواق النخاسة في التاريخ.

دراسات وتقارير تجارة الرقيق

تشير بعض الدراسات إلى أنّ تجارة الرقيق ازدهرت في الخليج والجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، فقد شكّل العبيد من أفريقيا نحو 11% من سكان الكويت سنة 1905، و22% من سكان قطر، و28% من سكان الإمارات، و25% من سكان عمان. وألغي الرّق رسميّاً في إيران سنة 1929، وفي البحرين 1937، وفي الكويت وقطر 1952، وفي السعودية 1962 وفي سلطنة عمان 1971.

وكشفت تقارير الأمم المتحدة وفقاً للسجلات الدولية أن تجارة العبيد الأفارقة لا تزال منتشرة في أميركا الشمالية، وأن العبودية لا تزال بلاء في العصر الحديث. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40 مليون إنسان مرغمون على العمل بالسخرة أو على الزواج القسري أو أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي.

وحسب تقرير مؤسسة WALK FREE الحقوقية ومكتب العمل الدولي في العام 2018 فإنّ في أفريقيا أعلى نسبة لانتشار العبودية.

العبودية الحديثة في لبنان

ولكن ماذا عن العبودية الحديثة؟ في الأصل العبودية لا تزال موجودة في عدّة دول ولكنّ في قالب جديد، فما عادت مشهدية تجارة الرقيق كالسابق، الا أن ذوي البشرة السوداء هم أكثر العاملين في المنازل وفي بعض الأشغال الشاقة.

ومثال ذلك على الصعيد المحلي، تتقولب العبودية في عمل العاملات الأجنبيات في المنازل أو في الاهتمام بالأطفال، صحيح أنهن لا يعملن بالسخرة بل مقابل أجر يتقاضينه بالفريش دولار من أجل إعالة عائلاتهن في بلادهن، ولا يبدو هذا كعمل رق بالطبع، فتنظيف البيوت لا يعتبر معيباً كما أنّه مهنة كغيرها من المهن، ولكن تتحول إلى مهنة العبيد عندما تلجأ عائلات إلى تعنيف هؤلاء العاملين والعاملات واستخدام أساليب عنيفة معهم واللجوء الى ضربهم أو دفعهم إلى العمل ساعات طويلة والقيام بمهام عدّيدة مقابل مبلغ بخس.

في العام 2021 تراجع عدد العمال والعاملات الأجنبيات إلى نحو 75%، وذلك يعود إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بلبنان في العام 2019، وأجبرت بعض العائلات اللبنانية على ترحيل العاملات الأجنبيات اللواتي كنّ يعملن في المنازل أو في حضانة الأطفال لإرتفاع سعر صرف الدولار وعدم القدرة على دفع 150 أو 200 دولار شهرياً، إضافةً إلى أسباب أخرى كالتعنيف أو إنتهاء عقود العمل وعدم تجديدها.

وحسب دراسة “الدولية للمعلومات”، فإنّ التراجع حصل في اليد العاملة المنزلية، وتوقع الباحث محمد شمس الدين أن ينخفض عدد العمال الأجانب بسبب استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، إضافةً إلى العاملات المنزليات اللواتي ينتظرن انتهاء عقودهن للخروج من لبنان. وانخفض عدد العمالة الأجنبية من نحو 400 ألف إلى نحو 230 ألف عامل.

وفي السياق، نستذكر قصة حدثت مؤخراً مع العاملة الأجنبية من أصول نيبالية منى غيري البالغة من العمر 43 عاماً التي عادت إلى بلدها في شهر نيسان الماضي. وكانت تعمل في زغرتا مع عائلة وزراء سابقين، وتعرضت للضرب والحرمان من النوم والأكل، وقالت في لقاء معها: “مشغلي كان يضربني مرة أو مرتين، ولكن مشغلتي كانت تضربني كل يوم، وتصفعني على فمي وتشدني من أذني”. كما أنّها لم تتلق مستحقاتها كافة، وبعد مطالبة قنصلية النيبال في لبنان لقاء مشغليها، فضلوا ترحيلها إلى بلدها.

شارك المقال