ACCUEIL IRAp  مطعم للصّم في قرنة شهوان… تميزٌ وفرادة

ليال نصر
ليال نصر

للآذان الصّمّاء أيضاً عناصر منتجة وفاعلة تسمعكم بقلبها وتتفاعل معكم بلغة الإشارة، لتصنع وتقدّم لكم ما لذّ وطاب من مأكولات وحلويات شهيّة في مطعم ACCUEIL IRAp في الربوة – قرنة شهوان حيث ترى نموذجاً فريداً من نوعه من ذوي الاحتياجات الخاصة، شباب وصبايا صُم لكنهم مندمجون في المجتمع ويبدعون بقدراتهم في فن الطبخ وتقديم الطعام.

من الايمان بقدرات الآخر الذي يبرهن عن الطاقات التي لديه ويثمّرها ويوظّفها في مجتمعه، أتت فكرة انطلاق جمعية “إيراب” التي تحوي مطعماً للصُّم ومشغلاً، وهي جمعية للتدريب على السمع والنطق منذ ثمانية وستين عاماً، رسالتها الأولى والأخيرة الايمان بالإنسان مهما قست عليه الظروف.

وتوضح أمينة سر الجمعية والمستشارة التربوية في مدرسة التدريب على السمع والنطق منى شلالا لموقع “لبنان الكبير” أن فكرة مطعم الصّم ولدت وتحققت بين العامين ٢٠١٧ و ٢٠١٨، وكان الهدف منها إعطاء المساحة اللازمة للصّم حتى يبرزوا ويكشفوا قدراتهم وطاقاتهم للمجتمع.

كيفية إنشاء مطعم الصّم؟

قدرات الصم كثيرة، فكرية وذهنية ومهنية وإنسانية، لكن المطعم طبعاً يحتاج إلى قدرات بشرية مختلفة، ولذلك هناك مسؤولون مباشرون عن الجمعية، وعلى الأرض فريق كامل متكامل مؤلف من حوالي تسعة أشخاص شباب وصبايا منهم صم، وآخرون يسمعون ويقومون بمهامهم بحسب دور كل شخص. فمطعم الصّم الوحيد في لبنان والفريد من نوعه، ليس مطعماً وحسب، بل مساحة تضم أيضاً مشغلاً لبيع المنتجات الموجودة في الجمعية منها أعمال حرفية صنعها الصم، ومأكولات وباتيسري من صنع أيديهم أيضاً. وتقول شلالا: “إن الموظفين خضعوا لدورات تدريبية في هذا المجال، ويخضعون من وقت الى آخر لدورات إعادة تأهيل موجهة حسب الحاجة إلى كل شخص ونوع عمل. فهناك الشيف والذين يخدمون في المطعم ومن يوزعون طلبات الطعام إلى المنطقة والجوار، وموظفون في صالة البيع”.

وتضيف: “أما تكاليف المطعم ومستلزماته فتتأمن من خلال الايمان بالعناية الالهية التي ترجمت على الأرض عبر أشخاص محبين ومعطائين يساعدون مادياً في ظل غياب الدولة”.

أنشئ المشروع عندما عرضت الفكرة على مطرانية أنطلياس والمطران كميل زيدان آنذاك الذي رحب بها، وقدم أرضاً في منطقة الرّبوة في قرنة شهوان قضاء المتن. وبني المبنى بتبرع من صديق للجمعية، التي تكفّلت بالتجهيز بمساعدة تقديمات بعض الأصحاب، وهكذا تكونت المساحة بصورة جميلة بمساعدة مهندسة ديكور لتنظيم الفرش والألوان.

يتسع المطعم لخمسة وعشرين شخصاً، ويقوم الموظفون بإعداد صحن يومي لمعدل عشرة إلى خمسة وعشرين شخصاً بأسعار مدروسة تناسب المنطقة، محافظين على جودة المواد الأولية المستخدمة للطعام وآخذين في الاعتبار إمكانات المستفيدين المادية. ويرتاد المطعم الأصحاب والقاطنون في الجوار إضافة إلى سكان المنطقة.

الاستمرارية رغم التحديات

الأصم جزء لا يتجزأ من المجتمع ويلعب دوراً مهماً في مجتمعه إذا قدمنا له الفرص اللازمة. وتلفت شلالا إلى أنه لن يكون عبئاً على الدولة إذا قامت بواجباتها تجاه هذه الفئة من المجتمع. فلا ينقص الأصم إلا السمع لكنه يتمتع بقدرات كثيرة ويتواصل بيديه ويعبّر بعينيه ويفهم بقلبه. فالشخص الأصم لديه مشاعر وأحاسيس ولغته الخاصة.

الجهات الداعمة دولياً وحتى محلياً للجمعية والمطعم شبه معدومة وغائبة، تشير شلالا، وكل الاعتماد على دعم الأصدقاء والمعطائين الذين يؤازرون الجمعية، مؤكدة أن هناك عقداً مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي لا تدفع للجمعية فواتيرها بصورة منتظمة، بل تأتي المدفوعات متأخرة وتفقد من قيمتها الشرائية.

يدرك المعنيون الواقع، إلا أنهم لا يستطيعون القيام بشيء لأن ميزانية الوزارة أصلاً هي ١٪ من ميزانية الدولة فقط. وفي ظل ذلك، تبقى المبادرات الشخصية من أصحاب الأيادي البيض، والناس التي تؤمن بقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة مهما كانت هذه الاحتياجات، الرجاء والأمل لاستمرار الجمعية التي لا تزال تناضل من أجل الصم وتساندهم ليندمجوا في المجتمع. وبغض النظر عن الصعوبات المادية، إلا أن المطعم والمشغل بموظفيه الصم، هو أكبر دليل على أن ذوي الاحتياجات الخاصة يستطيعون إثبات أنفسهم وقدراتهم عند إعطائهم الفرصة ودعمهم وإفساح المجال لهم للتعبير عن قدراتهم وممارسة هواياتهم ومهاراتهم.

على أمل أن تزيد فرص العمل لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان وإعطاء الفرص لأصحاب الكفاءة ومساعدتهم في شتى المجالات وبمختلف الطرق والأساليب حتى يندمجوا أكثر في المجتمع فيستفيدوا ويفيدوا.

شارك المقال