اللبناني يركب الخطر… “أنا الغريق فما خوفي من البلل”

جنى غلاييني

ترتفع وتيرة الهجرة غير الشرعية يوماً بعد يوم بفعل الانهيار الاقتصادي الحالي في البلد، والذي ألقى بثمانين في المئة من سكانه في براثن الفقر.

فقد تضاعف عدد من غادروا لبنان أو حاولوا مغادرته عبر البحر تقريباً في العام 2021 مقارنة بالعام 2020، وارتفع مجدداً بنسبة تزيد على 70 بالمئة في العام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي أشارت لـ”رويترز” الى أن من بين الأسباب الرئيسة “عدم القدرة على العيش في لبنان بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور وعدم توافر الخدمات الأساسية وفرص العمل”.

آخر عمليات المغادرة غير الشرعية كانت أول من أمس، حين انقلب مركب على متنه مجموعة من الشبان اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين لدى محاولته مغادرة الأراضي اللبنانية عبر البحر قبالة شاطئ العريضة في عكار، وفور انقلابه عمد الركاب إلى السباحة فتمكنوا من العودة إلى الشاطئ. ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر أمنية أن عمليات المغادرة بطريقة غير شرعية تحصل بصورة شبه يومية، وخصوصاً من شواطئ العريضة والشيخ زناد في عكار، ما أدى إلى تشديد الرقابة عليها من القوى الأمنية والجيش اللبناني.

وأوضحت مصادر أمنية لـ “لبنان الكبير” أن “قوى الأمن الداخلي تقوم بعمل كل ما يلزم وما من شأنه الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، من خلال الملاحقة وجمع المعلومات والاستقصاءات وتوقيف المهربين قبل قيامهم بالعملية، وبالتأكيد مراقبة الشواطئ اللبنانية وخصوصاً الشواطئ التي يحتمل انطلاق مراكب الهجرة منها، وحالياً أوقفنا 4 مهربين والعمل لا يزال مستمراً لتوقيف الباقين”.

لبنان الذي كان يسمى يوماً “سويسرا الشرق”، أصبح الآن غارقاً في أسوأ أزمة اقتصادية واجهها مواطنوه منذ عقود. فالانهيار يدفع، يومأً بعد يوم، المواطنين اللبنانيين إلى موجة الهجرة التي تستمر في النمو. ووفقاً لبيانات نشرتها الأمم المتحدة، فان 8 من كل 10 لبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وبذلك يزداد عدد الذين يحاولون مغادرة البلاد في قوارب غير شرعية، تسعى بصورة خاصة إلى الشواطئ القبرصية، لكن حوالي 75% منهم اعترضتهم السلطات أو أعادتهم إلى البر.

ولا يبدو أن مأساة “زورق الموت” التي لا تزال ماثلة في الأذهان، قد أقنعت مئات المهاجرين بالعدول عن المخاطرة بحياتهم كل يوم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية، اذ أن ثلاثة قوارب صيد غير مجهزة غادرت بحوالي 200 مهاجر، الشواطئ اللبنانية الأسبوع الماضي.

وكان “زورق الموت” مصمماً ليحمل ما يصل إلى 12 شخصاً، لكن كان عليه نحو 80 مهاجراً من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، أمكن إنقاذ 40 منهم وتأكدت وفاة سبعة وبقي نحو 30 في عداد المفقودين. ولا يزال من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان سبب الغرق هو الحمولة الزائدة أم أنه صدم عمداً من سفينة البحرية اللبنانية أثناء عملية ليلية، وهو ما قاله العديد من الناجين من غرق الزورق.

في حين أكد الجيش أن التصادم وقع عندما ناور المهرب بالقارب لمحاولة الإفلات من القبض عليه. وقال متحدث باسم الجيش لـ “رويترز” إنه لا يمكن التعليق على الشكاوى والاتهامات التي وجهها أقارب المتوفين نظراً الى أن التحقيق لا يزال جارياً. فقد رفعت بعض أسر الضحايا دعاوى جنائية على الضابط قائد السفينة التي اعترضت قارب المهاجرين وعشرات غيره من أفراد الطاقم الذين كانوا على متنها.

وعلم “لبنان الكبير” أن عملية هروب جديدة تحضر عن طريق البحر وتشمل لبنانيين وفلسطينيين وسوريين. وقال شابان أحدهما لبناني والآخر سوري في عداد هذه الرحلة، انهما عاطلان عن العمل في بلد منهار اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولم يجدا حَلًّاً إلّا عن طريق السفر بأي طريقة متاحة، وبعد مفاوضات طويلة مع المهرّب حول كلفة السفر اتفقا على 6 آلاف دولار للشخص الواحد.

وعن كيفية تأمين هذا المبلغ، أوضح أحدهما وهو يقطن في أحد المخيمات الفلسطينية أنه باع منزله فأصبح المال متوفراً لديه ومستعد للهجرة في أي لحظة. هذه الرغبة الشديدة في المخاطرة بحياته عبر مركب قد يكون شبيهاً بـ “زورق الموت”، أكدها جوابه بأنّ الوضع لن يختلف كثيراً فهو في الحالتين ميت، وليس أفضل ممن ماتوا. وكل ما يريده هو مغادرة هذا البلد، “فلم يعد هناك شيء هنا”، ويحدوه الأمل في أن يعيش في أي بلد “معززاً مكرّماً”.

أمّا الشاب الآخر فاستطاع تأمين المبلغ من خلال أحد أفراد عائلته المقيم في ألمانيا، وهو يتوق إلى الرّحيل عن لبنان والوصول إلى اليونان وجهة المركب التي سيهاجر فيه، ومن هناك يتوجه مباشرة إلى ألمانيا حيث يحلم بالعيش حياة هنيئة خالية من الهموم ويستطيع الدراسة والعمل في مهنة من اختياره. وقال: “لست خائفاً من الهجرة عبر البحر. لا شيء يخيفني أكثر من بقائي في هذا البلد، فأنا أعدّ الساعات والدقائق حتى اللحظة التي سيرن فيها هاتفي ويبلغني صاحب المركب بزمان ومكان الانطلاق إلى حياة جديدة، قد تكون بجوار ربّي، أو بجوار أحبائي وعائلتي”.

شارك المقال