القطاع الخاص يحتضن موظفي “العام”

نور فياض
نور فياض

عادةً يتفاوت الحد الأدنى للأجور بين دولة وأخرى حسب الحالة الاقتصادية لكل منها، الا في لبنان فالأجر يتفاوت بين قطاع وآخر.

الموظفون في القطاع العام، خسروا ما يناهز الـ 95% من قيمة أجورهم بعد الانهيار الكبير للعملة اللبنانية، فمن كان راتبه يساوي 1000 دولار (مليون و500 ألف ليرة) بات اليوم يساوي 50 دولاراً فقط.

ولأن أي تصحيح للأجور، لن يسد الفجوة الواقعة بين قيمة الرواتب الشرائية وتكاليف المعيشة المرتفعة، لجأ العديد منهم الى القطاع الخاص، وخصوصاً الجمعيات التي تدفع لموظفيها بالدولار. واللافت أن معاش شخص لا يحمل شهادة في الجمعيات الخاصة يساوي ضعفاً أو أكثر من أجر موظف يحمل شهادات عليا في القطاع العام، فهجرة النخب من هذا القطاع الى الخاص ستؤدي الى خلق أزمات اجتماعية وادارية تشل ليس القطاع العام وحسب، انما لبنان ككل.

في السياق، أشار رئيس رابطة موظفي الدولة وممثلها لدى الحكومة اللبنانية حسن وهبة لـ”لبنان الكبير” الى أن “أجور الموظفين كانت قبل سلسلة الرتب والرواتب حوالي 2 مليوني ليرة كحد أقصى تحسنّت بعد اقرار السلسلة في 2017 وأصبحت تتراوح بين مليون وخمسة ملايين للمدير العام. بعد تغيّر سعر الدولار وانهيار العملة، خصصت الدولة معاشاً آخر كمساعدة اضافة الى أننا تمكنا من الحصول على بدل انتاجية عن كل يوم عمل تتراوح بين 150 و350 ألفاً حسب فئة الموظف.”

ولفت وهبة الى أن “أعلى موظف في الدولة يتقاضى 10 ملايين ليرة وهؤلاء يشكلون نسبة قليلة. في المقابل الموظفون ذوو الفئة الرابعة والخامسة تتراوح نسبتهم بين 70 و80%، وأجرهم لا يتجاوز الـ 6 ملايين ليرة أي ما يوازي 200 دولار، وفي ظل ارتفاع الدولار لا يكفيهم الا لأسبوع واحد مع تقنين في شراء حاجاتهم.”

وأكّد أن “غالبية الموظفين تحمل شهادات عليا ولكنها تترك القطاع العام بغية السفر أو للعمل في القطاع الخاص للحصول على معاش ذي قيمة عالية. مثال على ذلك أنا رئيس دائرة لدي خبرة 20 سنة عمل في الدولة، متخرج من الجامعة بشهادة ماجستير، معاشي لا يتجاوز الـ100 دولار، واذا حسبنا الراتب المضاف مؤخراً والمساعدات يصل الراتب الى 200 دولار تقريباً، بينما ابني تخرج السنة الفائتة ويعمل حالياً في القطاع الخاص يتقاضى 500 دولار”.

ورأى أنه “اذا بقي الوضع على حاله فلن يبقى في القطاع العام الا الحاجب وغير المتعلم وهذه الفئة ليس باستطاعتها أن تدير دولة، لذا نحن ذاهبون الى الأسوأ”، موضحاً أن “هجرة الموظفين من القطاع العام الى الخاص أو الى الخارج تذكرنا بالحرب اللبنانية ويمكن أن تصبح هذه الذكرى حقيقة، فخلال تلك الفترة كان الموظف يذهب لينشئ عملاً خاصاً في الخارج ويعمل في التجارة، واليوم اذا بقيت الأجور على حالها فسوف يبقى الموظف في منزله بحجة الاضراب ويسعى الى الحصول على عمل آخر وبالتالي تتعطل الدولة.”

اما في ما يتعلق بنسبة الهاربين من القطاع العام الى الخاص، فقال وهبة: “النسبة غير معروفة اليوم، ولكن منذ سنتين كانت 20%، ومن أصبحوا خارج لبنان، قدموا استيداعاً وليس استقالة، ثم سافروا الى الخارج ليروا اذا كانوا سيوفقون في عملهم وسيتحسن الوضع في لبنان، والظاهر أنهم غير عائدين. فهجرة العمال وقلة الرواتب اذا بقيتا على حالهما لآخر السنة، سيترتب عنهما اقفال في الادارات العامة لأن غالبية الموظفين ستبحث عن عمل آخر وستشرّع أمور وآفات كثيرة قد تصل الى خراب الادارة العامة ومنها الرشاوى وغيرها من المشكلات الاجتماعية.”

في المقابل، أكّد المدير التنفيذي لجمعية “الميدان” جوزيف معراوي أن “الاقبال على الجمعيات التابعة للـngos كثيف، وفي جمعية الميدان فتحنا خمسة مراكز منذ فترة، قدّم أكثر من 518 شخصاً سيرته الذاتية أي ما يعادل 110 سير لكل مركز”.

أضاف: “غالبيتهم متعلّمون وقسم منهم وافد من القطاع العام بسبب المعاشات الكبيرة التي تقدمها هذه الجمعيات. والرواتب تحدد وفق الخبرة والشهادة، مثلاً، الحاصل على شهادة ماجستير يوظّف كمدير للبرامج يتقاضى بين 1200 و1300 دولار حسب المشروع الذي نعمل عليه، موظفو المكاتب 1500 دولار، المساعدون بين 1100 و1300 دولار. اما غير المتعلّم فيوظّف كسائق مثلاً، اذ أن الشهادة الجامعية هنا غير مطلوبة ولكن المطلوب أن يكون ذا خبرة في العمل مع جمعيات أخرى ويتقاضى 900 دولار تقريباً. أضف الى ذلك، العامل اليدوي والحارس يتقاضيان 150 دولاراً وعاملة التنظيفات بين 200 و300 دولار وأحياناً أكثر. هذه الرواتب محصورة بجمعيات الـ ngos المحلية، اما العالمية فأعلى بكثير.”

ولفت معراوي الى أن “غالبية الموظفين من الجنسية اللبنانية ونتعامل مع باقي الجنسيات كما نتعامل مع اللبناني، فنحن نعيش سوياً. صحيح أن الأفضلية للموظف اللبناني، ثم السوري والفلسطيني، وسابقاً تولى منصب المدير مرات عدة فلسطيني الجنسية”، موضحاً أن “المشروع يتراوح بين ستة أشهر وسنتين وربما أكثر حسب الاتفاق المسبق على تنفيذ المشروع، وفور انتهائه يترك الموظف العمل.”

واعتبر أن “الـ ngos هي المنقذ، والناس تقصدها لأن رواتبها بالدولار، فالوضع في لبنان صعب وكل شيء مسعّر على سعر الدولار، اذاً الـ ngos هي المساعد لهذه الأزمة التي نعيشها الى جانب تحويلات المغتربين. من جهة أخرى تشل هذه الجمعيات القطاع العام وتسبب له ضرراً ولكنها من ناحية أخرى ايجابية لفئة كثيرة. في السابق لم يكن المواطنون يترددون الى هكذا نوع من الجمعيات ولم تكن مرئية الى أن حصلت الأزمة الاقتصادية وبرم الدولاب وباتت محور اهتمام الموظفين.”

أزمات تلو أخرى تنهمر على الموظفين والدولة تحاول الحفاظ على قطاعاتها من خلال الدولرة، وهي عاجزة عن انقاذ القطاع العام بسبب سرعة الأزمات التي تتوالى اضافة الى أنها غير مكترثة لإيجاد الحلول المنقذة والسريعة وتكتفي بشعارات شعبوية، بينما القطاع الخاص استطاع الحفاظ على هيكليته وخصوصاً الشركات التابعة للـ ngos.

حاجب على باب جمعية خاصة يستطيع رشوة أكبر موظف في الدولة، فهل مع استمرار انهيار القطاع العام ستشرّع الرشاوى والسرقات وتغيب الرقابة أكثر مما هي غائبة اليوم وتزداد الجرائم بغية الحصول على المال؟

شارك المقال