أزمة النظام التربوي… أزمة وطن

حامد الدقدوقي

مع الدخول في العام الدراسي تبقى وزارة التربية والوزير عاجزين عن اجتراح الحلول التي يمكن أن تنقذ النظام التربوي، في ظل الانهيار الاقتصادي، ولا يزالان كبقية أركان السلطة يتلهيان بالقشور.

لبنان الذي صدّر أبناؤه الحرف إلى العالم وبفضل طاقاته البشرية التي واكبت التطورات المتسارعة، تحول من تلقي العلم في مدرسة تحت السنديانة إلى جامعة العرب قبل الأزمة.

ومهمة وزارة التربية بحسب ما هو منشور على موقعها الإلكتروني أنها “تتولى رعاية الشأن العام في التعليم بقطاعيه الرسمي والخاص، وتسيير التعليم الرسمي، بما يضمن توافر الفرص الدراسية وتكافؤها، وجودة التعليم وبناء مجتمع المعرفة والاندماج الاجتماعي والتنمية الاقتصادية”.

فالدولرة في المدارس الخاصة مشكلة لا يمكن تجاهلها، وموقف الوزير عباس الحلبي المتقلب بين الرفض والتفهم وطلب الحوار بين الإدارات ولجان الأهل لا يطمئن معظم الأهالي، ولا يشعرهم بدور الوزارة الراعوي فأصبحوا يفكرون جدياً في النزوح نحو التعليم الرسمي.

وهنا تكمن المشكلة الأساسية وتطرح جملة أسئلة لم تجد لها أجوبة حتى الساعة في ما يخص المدرسة إدارياً ولوجستياً: هل أمّنت الوزارة احتياجات المدارس من القرطاسية (ورق وحبر وطبشور)؟ هل أجريت الصيانة المطلوبة والأساسية لديمومة العمل في معظم المدارس؟ هل تم تأمين الماء والكهرباء أو البديل عنهما؟ في ظل أزمة المحروقات المستمرة وارتفاع أسعارها كيف ستؤمن الوزارة التدفئة لمدارس الأرياف؟ ما هو السبيل الى تأمين وصول الكادر التعليمي الذي لم يتقاضَ بدلات النقل عن العام الدراسي السابق، في حال سلمنا جدلاً بوصول التلامذة؟ أي صبر يطلبه الوزير من معلمي الأجيال وهم عاجزون عن تأمين أبسط مقومات الحياة مع غياب الرعاية الصحية لهم؟ والسؤال الأهم هل المدرسة الرسمية مستعدة ومجهزة لتستقبل نزوح طلاب التعليم الخاص؟

في هذا الاطار، أوضح الخبير التربوي عماد سيف الدين لموقع “لبنان الكبير” أن “الأنظمة التعليمية تساهم في صناعة التنمية في كل مجالاتها، وهذا ما ميّز بعض الدول من العالم الثالث التي تفوقت في الاقتصاد المعرفي على الدول العظمى مثل سنغافورة التي تحل في المرتبة الأولى دولياً في التنمية والاقتصاد المعرفي، لأنها تبنت سياسات تربوية متقدمة أجابت فيها عن سؤال وطني مهم هو: أي مواطن أريد؟ اما في لبنان فالنظام لم يتجدد منذ العام ١٩٩٧ في وقت لم يكن الهاتف المحمول موجوداً”.

وقال سيف الدين: “ان المهمة الوطنية الأولى للوزارة هي وضع سياسات تطويرية للنظام التربوي والاختصاصات وبناء مناهج تواكب متطلبات سوق العمل الجديدة، في حين أنها تشاهد كماً هائلاً من آلاف الخريجين في اختصاصات ليس لها سوق عمل”. وأشار الى أن “ما من صلاحيات مهمة لوزارة التربية في الرقابة على المؤسسات التعليمية الخاصة، اذ يقتصر دورها على مراقبة موازناتها من خلال التصريح وتصديق لجان الأهل فيها”.

واقترح سيف الدين حلولاً تساهم في انقاذ النظام التربوي “كالاستعانة بأهم الخبراء اللبنانيين والأكاديميين لتطوير مناهج حديثة تعيد الاعتبار الى مستوى التعليم في لبنان، والاهتمام بالتعليم الرسمي والجامعة الوطنية ووضع خطة تعاف للقطاع التربوي لاستنهاضه من جديد، فهو الآن في حالة انهيار ويشكل خطورة كبيرة على مستقبل الأجيال والشباب، اضافة الى وضع اجراءات صارمة لخفض كلفة فاتورة التعليم، ورفع العائد الوطني منه من خلال ربطه بحاجة سوق العمل الخارجية والداخلية، والاستعانة بالتعليم عن بعد لخفض فاتورة التنقل التي أصبحت تشكل عبئاً على المواطن”.

وشدد سيف الدين على ضرورة افتتاح مؤتمر وطني بغرض معالجة الأزمة الحاصلة في هذا القطاع برعاية وزارة التربية للتوصل الى حلول واقعية.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، رأى النقيب السابق للمعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض أن “البلد كله مدولر فنحن نعيش في جهنم، وكي يتمكن الأستاذ من الذهاب إلى المدرسة يجب إعطاؤه راتباً يكفي أبسط مقومات الحياة من طعام ونقل وانارة، وأي كلام ضد الدولرة هو كلام شعبوي لا يوصل إلى أية نتيجة، فالبنزين والمازوت تمت دولرتهما وصيانة السيارة بالدولار والأغراض في السوبرماركت تسعر على أساس الدولار، وكل الناس (ركلجو) حياتهم على أساس الدولار، (وقفت على معاش الأستاذ والموظف)؟”.

من جهة أخرى، رفض محفوض الحديث عن اضراب بحجة الحصول على حقوق المعلمين “لأن من المفترض أن يضرب الراتب بـ24 ضعفاً وهذا حق طبيعي للأساتذة، ولكنه جنون لأننا نعيش في جهنم والدولة فرطت ويجب الذهاب إلى المدارس وينطلق العام الدراسي بالحد الأدنى من المقومات، فكل شيء يقف في هذا البلد إلا أن نعلم الأولاد”.

وأشاد بدور وزير التربية “الذي ذهب إلى قطر لتأمين دولارات للجامعة اللبنانية للتمكن من استمرار عملها”، وقال: “ما يتحمله وزير التربية لا يتحمله أحد من الوزراء، فهو واثنان أو ثلاثة يحملون هم الواقع اللبناني الجهنمي الذي نعيشه ويفكرون كيف يمكن اطلاق العام الدراسي، وفي المقابل (ما حدا فارقة معه) لا رئيس جمهورية ولا مجلس نواب ولا مجلس وزراء”.

وفي المقابل، استغرب محفوض “تناقض الوزير الذي يحاول تأمين دعم خارجي من الجهات المانحة للجامعة والمدرسة الرسمية وفي الوقت نفسه يقول انه لا يحق للمدارس الخاصة استيفاء جزء من الأقساط بالدولار”، معتبراً أن “كلامه هنا شعبوي اما عمله وجهده في الخارج فيشكر عليه ولا يمكن أن ينطلق العام الدراسي من دونه. ومعلمو المدارس الخاصة لا أحد يفكر فيهم، اذ أن المعدل الوسطي لرواتبهم ما بين 60 و70 دولاراً وهي لا تكفي فاتورة اشتراك مولد الكهرباء فكيف بامكانهم أن يكملوا حياتهم؟”.

أضاف: “معالي الوزير يقول ان القانون يفرض على المدارس القسط بالليرة اللبنانية ولكن أي قانون يقول أن يصبح راتب الأستاذ يساوي 2% مما كان يتقاضاه؟ وأي قانون يسمح لكم بترك الشعب من دون كهرباء؟”.

وأبدى محفوض تخوفه من انهيار قطاع التربية “لأن هذا القطاع هو عصب البلد الأساس، فإذا توقف قطاع الصناعة يمكن إعاده تشغيله، وإذا دمر مستشفى يمكن اعادة بنائه، أما قطاع التربية في حال توقف سنة أو سنتين فسينتج جيلاً أمياً ويدمر مستقبل البلد، ولذلك نريد أن نبدأ العام الدراسي بالتي هي أحسن، والحل هو إعطاء الأساتذة الحد الأدنى لكي يبقوا على قيد الحياة ويتمكنوا من تعليم الأولاد”.

ورفض وضع المدارس الخاصة في السلة نفسها “فهناك مدارس خاصة قانونية تطبق القانون وتعطي الناس حقوقها، تأخذ من الأهل وتعطي المعلمين حقوقهم. وهناك مدارس لم تطبق سلسة الرتب والرواتب ولم تدفع بدلات الدرجات حتى الأمس القريب بعد أن فقدت قيمتها الشرائية مع العلم أنها كانت تتقاضاها من الأهل. وهناك مدارس نوع ثالث تجارية وهي تتاجر بكل شيء والعلم عندها تجارة تشحذ على الأستاذ وتأخذ من الأهل ولا تعطيه، وهناك مدارس كثيرة أخذت ولم تعطِ المعلمين”.

وأشار محفوض الى أن “هناك مدارس تأخذ مبالغ مقبولة لتعطي المعلمين وتؤمن مصاريفها التشغيلية، وهنا يأتي دور نقابة المعلمين ولجان الأهل التي عليها الموافقة على الموازنة والصندوق المنوي إنشاؤه، والتأكد من أن هذه الأموال ذهبت الى الأساتذة والمصاريف التشغيلية بالاتفاق مع ادارات المدارس”، مؤكداً أن “دور وزارة التربية في التعليم الخاص صوري وشعبوي وسياسي أكثر من أنه دور فاعل”.

ورأى أن “البلد مسروق ومخطوف ومن المستحيل أن يأخذ أي قطاع حقه بمعزل عن قطاع آخر، والحل أن يتحد القضاة والعسكر والأساتذه وموظفو أوجيرو والقطاع العام وسائر القطاعات وينشلوا البلد من جهنم ويستعيدوه ويستعيدوا رئاسة الجمهورية ويضبطوا الحدود البرية والبحرية والمطار وحينها يبدأ العمل على اصلاح القطاع التربوي والاستشفائي والقضائي، وغير ذلك عبثاً نحاول حل مشكلة أي قطاع”.

العلم والمعرفة هما أساس نهوض المجتمعات وتطورها وانتشالها من التخلف والفقر، ونحن في قعر جهنم التي أوصلنا اليها “العهد القوي” وسلطته، لا يمكن البحث عن مخارج لنظامنا التربوي ونظام الوطن بأسره معلق، وكل ما يمكن العمل عليه هو وقف المزيد من انهيار القطاع والصمود الى حين استعادة الوطن قراره وسيادته.

شارك المقال