العبادة بالإقناع وليس بالإكراه

السيد محمد علي الحسيني

إن السؤال عن كون العبادة بالإقناع أم بالإکراه، الإجابة الشافية عنها وفق ما ورد في القرآن الکريم والسنة النبوية الشريفة هو الذي يمکن أن يحددها بجلاء، ويقطع الطريق بذلك على خيارات ذاتية، لاعلاقة لها بالنصوص الشرعية لا من قريب ولا من بعيد، لکن الخطأ والاشتباه الکبير الذي وقع ويقع هو أن هناك قطاعاً عريضاً لا يزال يأخذ بتلك الخيارات الذاتية ويتعامل معها على أساس أنها متماشية مع الأصول الدينية.

الاعتدال منهج الإسلام والتعنيف سلوك مرفوض

لم يفرض الله سبحانه وتعالى عبادته على الناس بالقوة والإکراه والتسلط، کما يصوّر ذلك كثير من الأهل والمجتمع وبعض رجال الدين، معتقدين بأن ذلك هو الصحيح، وأن على الانسان أن يباشر بالعبادات تلقائياً، بل وحتى أننا نتذکر بأن البعض من الآباء يقوم بتعنيف أبنائه من أجل دفعهم الى العبادات قسراً من دون منح مساحة للتفکير والاقتناع لهم، في حين أن الدعوة الى العبادة قد جاءت بصورة مغايرة تماماً، ذلك أن الله تعالى عندما رأى نبينا الأکرم “صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم” يشعر بالألم والمعاناة في بداية الدعوة من جراء صدود الناس عنه فإنه عز وجل خاطبه: “فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا” ويهون على خير الأنبياء والرسل شارحاً له مهمته ودوره التبشيري التوعوي بقوله: “فذکر إنما أنت مذکر لست عليهم بمسيطر”.

فالخيار العقلي متروك للإنسان دائماً، وإن العبادة الميکانيکية التقليدية التي تفتقد القناعتين الروحية والعقلية إنما هي عبادة لا جدوى منها، وقد صدق أمير المٶمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما قال: “نوم على يقين خير من صلاة في شك”.

العبادة تهذيب للنفس وسوقها للكمال

إن الله تعالى قد طلب من الإنسان التفکر والتدبر، وليس التقليد الأعمى والسير التلقائي على نهج الآباء والأجداد من دون تمحص، وإن الآيات الکريمات التي دعا فيها الباري عز وجل الإنسان إلى التفکر والتدبر قبل الإقدام على التعبد هي کثيرة جداً، ولکن هناك ثمة سٶال مهم جداً هنا يفرض نفسه هو: من المستفيد من العبادة في نهاية المطاف، هل هو الله تعالى أم الإنسان نفسه؟

إن العبادة لو نظرنا إليها نظرة علمية عقلانية لوجدنا أنها وفي حالة إنجازها وفق الشروط والمواصفات التي حددها القرآن الکريم والسنة النبوية السمحاء، تساعد على تهذيب النفس وتقويم شخصية الانسان بما يجعلها تسير في طريق التکامل، وبهذا المعنى فإن التوصل إلى القناعة بعبادة الله تعالى، إنما هو بمثابة فوز وانتصار للإنسان ذاته، لأن العبادة هي أساساً من أجل فائدة الإنسان ونفعه، ومن هنا فإن العبادة تتطلب القناعة والاستدلال العقلي وإن الحديث النبوي الشريف الذي نورده في نهاية هذا المقال يٶکد على ذلك، فقد روى الترمذي من حديث الحسن عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله “صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم” لأبي (يا حصين، کم تعبد اليوم إلها؟) قال أبي: سبعة؛ ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: (فأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك؟) قال: الذي في السماء، قال: (ياحصين، أما إنك علمت لو أسلمت علمتك کلمتين ينفعانك)، قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علمني الکلمتين اللتين وعدتني، قال: (قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي).

شارك المقال