رائحة النفايات والغازات السامّة “تخنق” طرابلس… من المسؤول؟

إسراء ديب
إسراء ديب

توقّعت أوساط طرابلسية تلقّي المدينة صفعة جديدة تُضيف المزيد من التوتر إليها، لكنّها لم تكن تتوقّع أبداً أن تأتي هذه الصفعة من جبل النفايات، بعد المئات من التقارير والتحقيقات الميدانية، العربية منها والأجنبية، التي نشرت عن خطورة هذه “القنبلة الموقوتة” التي تُهدّد آلاف الطرابلسيين يومياً ومنذ أعوام.

في الواقع، رأى العديد من المتابعين أنّ الخطر والتهديد بمعزل عن كونهما أمنياً كالمعتاد، إلا أنّ الخطر كان يُحيط بمرفأ طرابلس ولم يخطر في بال أحدهم أنْ “تصل السكين” إلى رقبة كلّ الطرابلسيين عبر تهديدهم بمكبّ النفايات، الذي كان المعنيون يتعاطون معه وكأنّه “كارت” يُستغلّ مادياً وسياسياً، بعيداً عن ضرورة البحث عن حلول بيئية كانت قد طرحت لكنّها لم تُجدِ نفعاً أو بالأحرى لم تلقَ آذاناً صاغية.

وبعد أكثر من 40 عاماً، حصل ما لم يكن في الحسبان، واشتعل مكبّ النفايات الذي أقفل منذ فترة قصيرة، ما دفع الكثير من المواطنين إلى مغادرة منازلهم مسرعين خوفاً من سيناريو “انفجار نووي” آخر محتمل، يُودي بحياتهم، في حين عجز كثيرون عن المغادرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي والاشتراكات ما يمنعهم من نقل أغراضهم من جهة، أو نقل أهاليهم كبار السنّ الذين لا يتمكّنون من استخدام السلالم من جهة ثانية، ما أرعب عائلات كثيرة اضطرت إلى تصوير هذه المشاهد، فيما أغلق البعض الآخر نوافذه وأبوابه خوفاً من أيّ حادثة قد تُطلق الغازات السامّة بقوّة إلى محيط هذه المدينة التي عانت ولا تزال من هذه السموم المنتشرة في أجوائها على الرغم عنها.

ولا تقتصر هذه الحادثة (التي لا تزال قائمة بعد عودة اشتعال المكب من جديد ليلاً بفعل ازدياد شدّة الهواء وقوته، حتّى بعد التمكّن من السيطرة عليه في وقتٍ سابق) على القلق الذي دبّ في قلوب المواطنين، بل تتجاوز، لكونها مجهولة الأسباب، الغموض الذي بات يُخفي السبب الحقيقيّ وأدّى إلى هذا الاشتعال. ففي السيناريو الأوّل يُقال انّ هذا الحريق مفتعل، فيما يلفت السيناريو الثاني إلى العكس تماماً، وهذا ما أشار إليه رئيس اتحاد بلديات طرابلس الفيحاء حسن غمراوي الذي اعتبر أنّ كلّ ما يُطلق عبارة عن “شائعات، ولا داعي للهلع لا سيما في ظلّ عدم وجود غاز الميثان في المكب، وبالتالي لا خوف من حدوث انفجار”. فيما أشارت معلومات صحافية إلى أنّ الحريق ناتج عن خطأ حصل أثناء مناورة عسكرية للجيش في جبل النفايات.

تُشير المعطيات إلى أنّ المكبّ كان يتمّ سحب الغاز منه في كلّ فترة، أيّ أنّه لم يعد يُشكّل الخطر الكبير الذي كان في وقت سابق، فيما تتساءل بعض الجهات عبر “لبنان الكبير” عن “المدّة الزمنية التي أفرغ فيها المكب من غاز الميثان للمرّة الأخيرة، فنحن لا ندرك ما تقوم به الجهات المعنية في هذا المجال، ونحن بحاجة الى بيانات تُطمئن المواطنين الذين أرعبتهم سحب الدخان الأسود”.

بدوره، يُحمّل أحد المتابعين لشؤون بلدية طرابلس، المسؤولية لأعضاء اتحاد بلديات الفيحاء كافّة مع المرجعيات السياسية في المدينة، معتبراً أنّ الحريق مفتعل ولم يحدث نتيجة الاهمال فحسب. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “ننتظر التحقيقات التي لن تكشف شيئاً ولن يُبرّر الفاعل ما قام به ولن يكشف عنه حتّى بعد معرفة هويته، لكن حتّى اللحظة لا يوجد سبب يدفع إلى حصول هكذا حريق، ففي عز ارتفاع درجة الحرارة، لم يندلع مثله لا في مكبّ طرابلس ولا في غيره، وبالتالي قد يكون الحريق مفتعلاً استكمالاً لسيناريو يُوتر الوضع في المدينة، لكن هذا لا يعني أن نغرق في نظرية المؤامرة، بل يجب تحميل الأعضاء مسؤولية ما يحدث في طرابلس وجوارها”. ويشدّد على أنّ “حريق المكبّ لا يُعدّ مفتعلاً وحده فحسب، بل وجوده واستمراره كلّ هذه الأعوام مع فتح مكب آخر جديد هو الجريمة المفتعلة بعينها”.

ويؤكّد العديد من المتابعين لـ “لبنان الكبير”، أنّهم سمعوا صوتاً قوياً وضاغطاً قبل اشتعال النيران القوية، ويقول أحدهم: “سمعت صوت انفجار قوي وشعرنا وكأنّه سحب كلّ شيء معه، لكنّنا لم نتوقّع أنّ يكون مصدره جبل النفايات المشؤوم، وأحسسنا بالقلق أكثر حينما تذكرنا تفجير مرفأ بيروت والأقاويل التي أكّدها المواطنون آنذاك عن الأصوات التي سمعوها قبل التفجير ولم يُصدّقهم أحد في هذه الدّولة التي تقوم بالجريمة وتسمح بحصولها من دون السماح بالكشف عن الحقيقة”.

وكان الجيش اللبناني عمل على إغلاق الطرق المؤدية من طرابلس وإليها، كما الطرق المؤدّية إلى المحجر الصحي حيث المكب للحفاظ على أمن المواطنين المهدّد.

شارك المقال