“رحلة موت” انطلقت من طرابلس وانتهت في سوريا!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تخرج مدينة طرابلس بعد من صدمة شهر نيسان الكبيرة التي أحدثتها رحلة الموت الأولى عبر القارب غير الشرعي، لتدخل في رحلة الموت الثانية الناتجة على الأرجح عن عملية “انتحار كبيرة” نفذها تجار الموت الذين استغلّوا حاجة الناس إلى الفرار من البلاد المنكوبة، لكن هذه المرّة لقوا حتفهم في سوريا بسبب أحوال الطقس الشتوية التي لا تتناسب مع مثل هذه الرحلات وفي ظروف السفر نفسها.

وصدمت عائلات من طرابلس والمنية وعكار بالخبر الذي نقلته وسائل الاعلام السورية ويُفيد بأن 34 شخصاً لقوا حتفهم غرقاً أمام شواطئ جزيرة أرواد السوريّة، مع إنقاذ 14 آخرين، بعد أيام على انطلاق مركبهم من المنية.

وحسب المعطيات، فإنّ هذا المركب الذي قيل وفق المعلومات المتداولة انّه انطلق من ببنين، كان قد انطلق منذ يوميْن من المنية، بحسب ما يُشير مرجع بلديّ لـ “لبنان الكبير”، لكنّه غرق بسبب سوء الأحوال الجوية من جهة، وارتفاع الموج من جهة ثانية، ممّا أدّى إلى غرق هذا المركب الذي حمل 150 مهاجراً منهم لبنانيون، سوريون، وفلسطينيون، وهم من مناطق مختلفة، بعد دخول المياه إليه وتسبّبها بغرقهم “من دون أيّ شبهات حول تلقي المركب ضربة عسكرية ما بخلاف المركب الأوّل”.

وأفيد أنّ بعض الغرقى أو الركاب هم من باب التبانة وباب الرمل، وأنّ البعض الآخر من المنية وعكار التي تُسجّل فاجعة كبيرة عبر نجاة وسام التلاوي وهو من بلدة القرقف العكارية، بعدما أعلن أنّ زوجته وأولاده الأربعة لا يزالون في عداد المفقودين، فيما انتشرت معلومات غير مؤكّدة بعد عن وفاة عائلة كاملة في المنية، إذْ لا تزال المعلومات متضاربة بسبب وجود عدد كبير من المفقودين وسط حديث عن احتمال ارتفاع عدد الجثث في الساعات المقبلة.

وحمل المشهد الذي نقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات السورية الاخبارية صدمة كبيرة، لا سيما وأنّ المقاطع المصوّرة تظهر الجثث الواضحة مثل “عين الشمس” وهي تطفو على سطح المياه، فيما انتشرت صور كثيرة تُشير إلى قيام الصيادين مع مجموعة من المواطنين السوريين الذين توافدوا، بانتشال الجثث بأيديهم مع تحرّك سجّل للبحرية السورية التي نقلتها بدورها مع الاسعاف والهلال الأحمر في طرطوس إلى “مستشفى الباسل”.

ولا يزال عدد الجثث غير محدد حتّى اللحظة، فيما أشارت معلومات إلى توجه المركب إلى إيطاليا. من هنا، يُشير أحد أصحاب المراكب في الميناء إلى ضرورة اتخاذ كلّ الإجراءات لمنع السفر بطريقة غير شرعية، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “تحصل هذه العملية يومياً من شواطئ الشمال المختلفة بدءاً من المدفون وصولاً إلى شواطئ عكار، وهي جريمة لاسيما في هذه الأشهر الشتوية، فالسفر إلى إيطاليا وغيرها يحتاج إلى مركب ملائم، وطقس ملائم ومهما اتخذوا من إجراءات فهي تبقى غير آمنة، وهذه طريقة تُشبه الانتحار، بينما يرتكب صاحب المافيا التي توافق على نقل الناس بهذه الطريقة من أجل المال، جريمة كبيرة لا بدّ من التحرّك للحدّ منها والتخلّص من تداعياتها، خصوصاً وأنّه كان عليه تأجيل هذه الرحلة لأشهر، مع ضرورة اختيار مركب آخر ليتحمّل مشقات هذه المسافة مهما كانت قريبة أو بعيدة، فالمياه التي دخلت إلى المركب وأدّت إلى تحطيمه تُشير إلى رداءة نوعيته، وكان لا بدّ من الانتظار لمعرفة ماهيته ونوعه وطريقة صنعه”.

ويُؤكّد مصدر طبّي شماليّ، أنّ لا معلومات كافية ومؤكّدة حتّى هذه اللحظة حول عدد الضحايا أو هوياتهم، لكن ما يُمكن تأكيده “أنّنا ننتظر اتصالات ونتواصل مع السوريين طبياً لنقل الجثث إلى لبنان، وما عرفناه أنّهم يقومون بنقل الضحايا أو الغرقى إلى المستشفيات من دون إعطاء أسماء، لكنّنا سنتولّى عملية النقل”.

في السياق، أوقفت مخابرات الجيش مساء أمس عدداً من المطلوبين متورطين بتسهيل عمليات التهريب غير الشرعي عبر البحر. وتبيّن تورّطهم بالمركب الذي غرق، بينما توقفت عمليات البحث عن ناجين عند الساعة العاشرة مساءً بسبب ارتفاع الموج ما يُشكّل خطراً على المنقذين والمبادرين الى المساعدة.

ويوضح مصدر أمني لـ “لبنان الكبير” أنّ التوقيفات ستبقى مستمرّة نظراً الى تفاقم هذه الظاهرة وسط تشديد سياسي على ضرورة التشدّد أمنياً، في وقتٍ ترتفع فيه أصوات الطرابلسيين والعكاريين المنددة بإهمال السياسيين في كلّ الملفات.

أمّا عن الهجرة غير الشرعية، فيلفت المصدر إلى أنّها ظاهرة “ستزداد في حال عدم قيام بعض العناصر غير المنضبطة بدورها القائم على المراقبة الصحيحة”.

وكانت الطرقات قطعت صباح امس عند أوتوستراد باب التبانة بالاتجاهين من قبل عدد من الأهالي، الذين سجلوا بتحرّكهم نداء الى السلطات لمتابعة مصير أبنائهم الذين انطلقوا منذ أياّم على متن قارب كان اتجه إلى إيطاليا، ومع فقدان الاتصال بهم والحديث عن تعطّل مركبهم في اليونان، أشارت المعلومات إلى أنّ السلطات اليونانية التي لا تتقبّل المهاجرين كانت قد نقلتهم إلى الأراضي التركية التي ستقوم بدورها بإعادتهم إلى لبنان، على غرار ما حصل مع مركب كان قد انطلق أيضاً من طرابلس منذ أشهر عدّة، وأعادتهم السطات التركية بالطريقة نفسها الى لبنان بعد معاملة سيئة جداً تلقوها في اليونان.

شارك المقال