في شهر الوقاية من الانتحار… الأعداد الى تصاعد

نور فياض
نور فياض

يُقدم أكثر من 700 ألف شخص حول العالم على الانتحار سنوياً وفق منظّمة الصحة العالمية، 80% من الحالات، تحدث في الدول المنخفضة أو متوسّطة الدخل.

ويعتبر أيلول، شهر الوقاية من الانتحار بحيث يتم خلاله نشر التوعية لمنع الانتحار في مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من الندوات والخطابات الا أن أعداد المنتحرين تتفاقم خصوصاً عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشكلات المالية، أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة. إضافة إلى ذلك، ثمة صلة قوية بين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة، وبين السلوك الانتحاري.

في لبنان، وبسبب ما نشهده من أزمات اقتصادية واجتماعية، ازدادت حالات الانتحار، بحيث بلغت 83 حالة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2022. ووفقاً لأرقام قوى الأمن الداخلي، شهد لبنان زيادة 7,8% من حالات الانتحار، وبعض حالات الوفاة لا تُسجّل أو لا يتمّ إدراجها ضمن خانة الانتحار لأسباب عائلية أو اجتماعية.

في السياق، تستشهد الدكتورة في علم الاجتماع أديبة حمدان بكلام الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي دور كايم الذي يؤكد على وجود عوامل عدة للانتحار منها الاقتصادية والاجتماعية، ويربط بينها وبين الايمان أي الردع الديني الذي يحول دون هذا الاضطراب أو الجريمة التي يرتكبها الشخص ضد نفسه.

وتشير حمدان عبر موقع “لبنان الكبير” الى أن “الأوضاع السائدة في لبنان، من الطبيعي أن تولّد ظاهرة الانتحار وتتسبب بإرتفاع عدد المنتحرين. ونتيجة الاحصاءات المتخذة من الجمعيات المعنية التي تشير الى ارتفاع كبير في نسبة المنتحرين لها دلالة واحدة أن الأوضاع العامة هي السبب المباشر للهروب من مشكلات الحياة نحو الانتحار، اضافة الى الأزمات النفسية. ولكن اللبناني يتمتع بالصلابة والمرونة الكافية لمواجهة المصاعب، الا أنه اليوم استثنائياً في هذا الكم من الأزمات الصحية، الاقتصادية والأمنية (اعتداء، جرائم…) الى متى ستبقى هذه الصلابة متواجدة لديه؟”.

وتضيف: “في ما يتعلق بالانتحار والرادع الديني، نحن في مجتمع يلعب الدين دوراً أساسياً في بناء شخصيتنا، ومعظم اللبنانيين متديّنون (مسيحي، مسلم)، وهذا العامل يساهم في الحد من الانتحار. ومن ناحية ثانية، يجب أن يكون للإنسان نوع من اعادة انتاج لمناعته النفسية كي لا يصل الى الاكتئاب ومن ثم الانتحار. اضافة الى أن الدولة يجب أن تجد حلولاً للمشكلات الاقتصادية والأمنية”.

وتتساءل حمدان: “صحيح أن الانسان مسؤول عن نفسه ولكن أين يعيش؟ هل الدولة تؤمّن له فعلاً الظروف والحماية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة؟ لماذا لا نبحث عن أسباب الاكتئاب؟”، مؤكدة “أننا اليوم أمام أزمة غير مسبوقة، متعددة الجوانب لن يسلم منها الانسان بسهولة، والصعوبة تكمن في مواجهة الأزمات وصولاً الى استنزاف نفسي للمواطن. فإلى متى سيقاوم؟”.

وتقول: “ندرس الآن ظاهرة الانتحار وهي الحد الأقصى من الاضطرابات ولكن يجب التوقف قبل الانتحار لرؤية الكم الهائل من الضعف، العنف، وعدم امكان مواجهة المشكلات. الانتحار هو ذروة الاضطرابات التي يجب التنبه اليها والحد من المشكلات، والدولة مسؤولة شئنا أم أبينا وعلينا مواجهة هذه الظروف سوياً كي لا نصل الى انتقام الانسان من نفسه بدل أن تكون لديه نظرة تفاؤلية الى نفسه والى المجتمع ككل”.

تختلف المذاهب والطوائف في أمور عدة، لكنها تجتمع على تحريم الانتحار. كما أن غالببة البلدان تنص في قوانينها على عقوبات شتى للمنتحر الفاشل تتراوح بين السجن ودفع غرامة مالية. وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف عمليات الانتحار، ومؤخراً أصبحت الهجرة عبر الزوارق كإنتحار شرعي يلجأ اليه العديد من الفارين من حضن الوطن الذي لم يؤمّن لهم أدنى مقومات العيش. ففي بلد لا يؤتمن على سلامة شعبه نفسياً، صحياً وحتى اقتصادياً، هل سيجد حلاً للتخفيف من هذه الظاهرة أم سيبقى لامبالياً كالعادة؟

شارك المقال