أزمة وجوديّة لذوي الصعوبات التعلمية… ما مصيرهم؟

ليال نصر
ليال نصر

التعلم حق أساس من حقوق الانسان، ولكن كيف يحصل الأطفال والطلاب وخصوصاً ذوو الصعوبات التعلمية على حقهم في التعلم ودمجهم في المدارس المخصصة لهم في ظل انهيار الوضع الاقتصادي وتهجير بعض الأساتذة المتخصصين بهذه الحالات؟ وما تأثير حرمانهم من حقهم على وضعهم النفسي؟

عيادياً، تقول المعالجة والاختصاصية النفسية دارين صالح لموقع “لبنان الكبير”: “إن الطلاب من المدارس يتوجهون بداية الى العيادات النفسية حيث تجرى لهم تقاويم واختبارات تحدد المستوى العام لتحصيل الذكاء عندهم، بعدها يوجه أصحاب الاختصاص المدارس الى كيفية التعامل مع الأولاد خصوصاً من لديهم صعوبات في التعلم أو يعانون من التأخر المدرسي، وبالتعاون مع المدرسة، يحصل دمج الطلاب في المدارس الدامجة أو داخل الصفوف التي تحوي برامج خاصة للصعوبات التعلمية”.

متى بدأت المشكلة تتفاقم؟

منذ بدء جائحة كورونا، يشهد لبنان تراجعاً في الأداء الأكاديمي عند الطلاب نتيجة التعليم عن بعد، خصوصاً أن النظام المدرسي تحوّل إلى نظام بيتي والتعلق بالشاشة الالكترونية أصبح سبباً مباشراً للابتعاد عن القراءة والكتابة فزادت مشكلة التعثر في الكتابة أكثر. ومنذ العام ٢٠٢١ أي عندما عاد الطلاب إلى التعليم الحضوري، بدأنا نشهد نسبةً عالية جداً من الطلاب الذين يعانون من التأخر المدرسي وخصوصاً من عمر 6 سنوات حتى 9 ومن عمر 7 سنوات حتى 10 ممن لديهم صعوبات تعلمية، مع الإشارة إلى أن هذه الأعمار تأسيسية، بحسب صالح التي توضح أن هاتين المرحلتين شهدتا بعد دخولهم المدرسة تراجعاً ملحوظاً خصوصاً أن المدارس تغير مناهجها الأكاديمية.

كيف يؤثر الوضع الاقتصادي؟

أدّت الظروف الاقتصادية والاجتماعية إلى تخلي بعض المعلمات عن وظائفهن ليهاجرن ويعملن خارج لبنان، فبات هناك نوع من الهوّة الكبيرة في المجال الأكاديمي مما سبب ضعفاً مضاعفاً عند الطلاب.

وتشير صالح الى أن “مشكلة المدارس تكمن في أنه لم تعد لديها المادة الكافية من أجل الاتيان بأخصائيين إلى المدارس الدامجة نطق أو نفسي حركي أو نفسي مع معلمات متخصصات لمتابعتها بالبرامج الدامجة أو المناهج التعليمية الخاصة بالصعوبات التعلمية، لذلك نرى أن المدارس تخلّت عن هذه البرامج لأن لا إمكانات مادية لديها فضلاً عن أن الدولة لا تملك امتداداً أو دعماً مادياً لهذه المدارس”.

وتلفت الى أن “كل هذه الأمور جعلت وضع هؤلاء الطلاب وأهاليهم في قلق كبير وخوف من أين سيتوجهون لتأمين مستقبلهم لأنهم لا يستطيعون الذهاب إلى مدارس لا توجد فيها برامج داعمة، لذلك بتنا نشهد تسرباً مدرسياً عالياً جداً ووصل الأمر إلى عدم تسجيل بعض الأهالي أولادهم على الرغم من أن إمكاناتهم المادية جيدة لكن المدارس الموجودة أقساطها عالية جداً وبالدولار”.

وتؤكد صالح أن “هذين المعوقَيْن يجعلان الولد يعاني نوعاً من المعيق الاجتماعي الأكاديمي والمدرسي بالإضافة إلى الصعوبة التعلمية التي يعانيها أصلاً. ولكل ذلك تأثير نفسي سلبي جداً على الأولاد والأهل، فمن جهة يتساءل الأولاد لماذا لا يستطيعون الدخول إلى المدارس ولا يفهمون السبب ما يشكل عندهم حالة من الخوف والقلق وأحياناً يؤدي ذلك إلى نوع من الإحباط لنلمس نوعاً من الاكتئاب الطفلي. ومن جهة الأهل، يعانون أيضاً قلقاً وتوتراً لدرجة أنهم يأخذون أحياناً قرارات غير سليمة أو يتوجهون إلى المؤسسات الدامجة للاعاقات أو ذوي الاحتياجات الخاصة بنظمها الدامجة”.

في ظل كل هذه العوامل، أصبح مصير الطلاب رهن الأهل وإمكاناتهم المادية والموافقة على دفع الأقساط مهما كانت مرتفعة لكي تتمكن المدارس من جلب الطواقم التربوية المختصة بالصعوبات التعلمية. وهنا يشعر الطلاب أنهم ليسوا كأصدقائهم ومختلفون وبعقدة نقص إضافية ويظنون أنفسهم كسالى وهذا على المدى البعيد يسبب نوعاً من التسرب.

على أمل أن يعي المعنيون خطورة الوضع واستدراكه لأن المراكز المتخصصة أيضا تعاني من تحديات مالية ونقص في الفريق المتخصص مما يجعل انطلاقة العام الدراسي لذوي الصعوبات التعلمية صعبة جداً. وبحسب الدراسات، إذا استمر الوضع الاقتصادي على هذا النحو، فسنشهد تسرباً مدرسياً عالياً جداً كما التسرب الذي نشهده بعد الحروب والأزمات الكبيرة، وهذا يسبب للجيل المقبل نوعاً من الضياع والضعف الأكاديمي والعودة إلى الحِرَف والتوجه المهني.

شارك المقال