نزوح عكسي من الرسمي إلى الخاص… ولا أمل بـ”التربية”!

راما الجراح

الصورة ضبابية حتى اللحظة، عامٌ دراسي مُهدد قبل بدايته، وتأجيل انطلاقته في المدارس الرسمية حتى تشرين الأول في حال توافرت المؤهلات اللازمة والضرورية، وجيلٌ كامل على حافة الهاوية التربوية. بدأت المدارس الخاصة عامها الدراسي مع أقساط وشروط غير مطابقة لقرارات وزارة التربية من حيث التحديد بالدولار الفريش، وإجبار الأهالي على دفعها أولاً وتقسيط المبلغ المتبقي باللبناني على دفعات. أما المدارس الرسمية فمجهولة المصير حتى اليوم، وكل قرار يصدر عن وزارة التربية يقابله بيان رافض له من رابطة المعلمين حتى نفذ الوقت وبدأ العد العكسي، فإمّا حلول سريعة أو إنتهاء العام الدراسي قبل إنطلاقه.

الهواجس تتعاظم، والقطاع التربوي الرسمي يفقد مقوماته شيئاً فشيئاً بسبب تقاعس الدولة وعدم دعمها له. وانتشرت تقارير عدة عن نزوح من المدارس الخاصة إلى الرسمية، وأن الأخيرة يمكن أن تواجه صعوبات في استيعاب الأعداد الهائلة من الطلاب في ظل عدم توافر المقومات اللازمة لذلك، ولكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي نعيشها إلا أن النزوح هذا العام عكسي من المدارس الرسمية إلى الخاصة.

وأكد مدير مدرسة سعدنايل الرسمية شادي الشحيمي عبر موقع “لبنان الكبير” أن “الاضراب الذي أعلنت عنه الروابط التربوية غير محصور بأجور الأساتذة فقط، بل هناك أمور لوجستية ومصاريف تشغيلية لا يُمكن أن تنطلق المدارس الرسمية من دون توفيرها مثل ثمن المحروقات للتدفئة في الشتاء، فكل الرسوم التي يُمكن أن تتقاضاها المدارس الرسمية من الطلاب لا يُمكن أن تكفي للمحروقات وحدها، وكذلك الأمر الكهرباء، والأمور التشغيلية كافة. وهناك مشكلة مع المصارف، فلنفرض أن هناك مبالغ مالية في المدارس الرسمية وهذا في الحقيقة غير موجود حالياً، لا شك في أنها تريد كل فترة سحب مبلغ من المال لتشغيل أمورها لوجستياً، ولكن في المصرف هناك سقف متدن لا يكفي ولو لجزء بسيط من المصاريف التشغيلية للمدارس”.

أما بالنسبة الى إنطلاق العام الدراسي الاثنين، فقال الشحيمي: “لا أعتقد أن جميع المدارس الرسمية ستبدأ، وأساساً نحن ذاهبون في طريق صعب جداً وليس مضموناً، والأقساط في المدارس الرسمية تغيرت للمرحلة الثانوية بحيث ارتفعت ثلاثة أضعاف من ٢٧٠ ألف ليرة لبنانية إلى ٨٧٠ ألفاً، أما المرحلة المتوسطة فبقيت شبه مجانية، ولم ألمس ما يتداول عن نزوح من المدارس الخاصة إلى الرسمية بسبب الأوضاع الصعبة والأقساط المرتفعة، بل على العكس، هناك نزوح عكسي ليس لأن العام الدراسي في الرسميات مُهدد كما العام الماضي بسبب الاضرابات وغيرها، بل لأن الناس (معها مصاري)! وحده الموظف الرسمي في الجمهورية اللبنانية لا يزال يتقاضى راتبه على سعر صرف ١٥٠٠ ليرة وأولاده في المدرسة الرسمية، أما باقي القطاعات من عامل التنظيفات إلى الميكانيكي وحتى شوفور التاكسي إلى وظائف أخرى جميعهم تضاعفت أجورهم وأعمالهم وأصبحت تنسجم مع الغلاء، ومن دون مبالغة أعطيت افادة من مدرسة سعدنايل الرسمية لما يفوق الـ٨٠ طالباً نزحوا إلى المدارس الخاصة، وهذا الأمر يدعو الى الدهشة!”.

أضاف الشحيمي: “حتى الآن في ثانوية سعدنايل الرسمية أقفلت أربعة صفوف وليس (تفويلها) بمعنى أنها امتلأت بالطلاب فقط، وكذلك الأمر بالنسبة الى ثانوية تعلبايا حيث امتلأت لديها حتى اليوم ثلاثة صفوف، وكذلك في مناطق قب الياس وبرالياس، وأشدد على أن السبب ليس الاضرابات بل لأن الأهالي يستطيعون فعلاً تسجيل أبنائهم في الخاص. ووزارة التربية كانت على مر السنين تُرسل الى المدارس كمية من المازوت بحسب ارتفاع المدرسة عن سطح البحر، ولكن في العام الماضي لم تُرسل شيئاً. الأمر الآخر الذي يجب على الجميع معرفته أن المرحلة المتوسطة مجانية أو شبه مجانية، وعادة ترسل وزارة التربية الى المدارس رسوم تسجيل هؤلاء الطلاب، ولكنها منذ سنتين أيضاً لم تُرسلها الينا ولذلك صناديق المدارس مفلسة، حتى وزارة الشؤون الاجتماعية كانت تدفع الرسوم التسجيلية عن الأطفال الأكثر فقراً ومنذ ثلاث سنوات لم تَعُد تدفعها”.

وسأل الشحيمي “كيف ينتظرون في ظل كل هذه الصعوبات، أن تمضي المدارس الرسمية بعام سليم وناجح؟”، قائلاً: “فليعلم وزير التربية أن الأساتذة العام الماضي كانوا يتقاضون مليوني ليرة فقط ما يعني أنهم كانوا متطوعين لتعليم الطلاب وليسوا موظفين، وأنا كمدير مدرسة لم ولن أطالب وزارة التربية بشيء لأنني فقدت الأمل منذ سنتين، وأحاول التواصل مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في قريتي، حتى أنني في حال أُحرجت بفاتورة الكهرباء يمكن أن أستعين بصندوق الزكاة مثلاً، أو بالمازوت أطرق باب إحدى الجمعيات، يعني (عاملين شحادين) لتعليم طلابنا”.

وأشار مصدر خاص عبر موقع “لبنان الكبير” الى أن “غالبية مدراء المدارس الرسمية تعمل بمجهود شخصي بالتعاون مع الجمعيات الأهلية وفعاليات المناطق ورجال الأعمال والأغنياء لتستطيع الاستمرار في مدارسها، ولا فضل لوزارة التربية أو مؤسسات الدولة المعنية عليهم، وفي إحدى المناطق تكفل أبناؤها تكاليف المدرسة من المازوت إلى الكهرباء والتكلفة التشغيلية بالتعاون مع المُغتربين وحتى وسيلة النقل للأساتذة”.

 

 

 

 

 

شارك المقال