“المونة” البقاعية صامدة… وغنية بالمحبة والتعاون

آية المصري
آية المصري

شهرا أيلول وتشرين الأول هما موسم “المونة” في معظم البلدات البقاعية، عادة وتقليد تتوارثهما الأجيال خصوصاً سكان المناطق الجبلية، حيث لا يمكنك أن تقصد منزلاً أو حياً من دون أن ترى النساء والرجال والأولاد يتعاونون من أجل إنجاز “مونتهم” قبل حلول فصل الشتاء القارس. أما أشهر أنواع “المونة” فهي: المكدوس، الكشك، القنبريس، رب البندورة، تنشيف الملوخية وحفظ البازلاء والبامية، بالاضافة الى المربى بمختلف أنواعه ونكهاته، والزيتون والكبيس بأصنافه المتنوعة وغيرها.

ولا يمكنك مناقشة أي من سكان المنازل البقاعية في “المونة” لأنهم يعتبرونها عنصراً أساسياً من تراثهم وملجأ لأيامهم الصعبة في الشتاء، ولا يؤمنون بأن المحال التجارية تبيع هذه الأصناف بجودة مماثلة لـ “مونتهم” ونظافتها. وفي ظل هذا الغلاء الهستيري المستشري في البلاد كان من الضروري أن يتعاون أبناء الحي الواحد ويساعدوا بعضهم البعض.

وفي ظل كل ما يعيشه المواطن كان لا بد من معرفة كيف يؤمن البقاعي “مونته” هذا العام، وهل استغنى عن بعض الأصناف بسبب ارتفاع الأسعار؟ وهل بات الشراء يحصل عبر المزارع مباشرةً؟

الترشيشي: عزيمة أهالي البقاع لا تلين

رئيس تجمع الفلاحين والمزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي أوضح في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “عزيمة أهالي البقاع لا تلين واصرارهم على المونة لا ينتهي، وعلى سبيل المثال فان سعر كيلو الباذنجان لا يزال مقبولاً ويتراوح ما بين 18 الى 20 ألفاً، ويتم الشراء مباشرةً من المزارع، بحيث أن البقاعي لم يعد يلجأ الى محال الخضار من أجل شراء ما يلزمه”، قائلاً: “كتر خير الله، الشعب لا يزال قادراً على التعاون مع بعضه البعض”.

وأشار الترشيشي الى أن “وزارة الزراعة لا تملك ميزانية كبيرة وهي بالكاد قادرة على إعطاء الرواتب لموظفيها، ولكن علينا التحدث بإيجابية ويتوجب على كل فرد مساندة الآخر قدر الإمكان، كما يجب على المزارع قبول هامش الربح القليل من جهة والصبر على هذه الأوضاع المهيمنة على البلاد من جهة أخرى، والتحلي بالمزيد من التصميم والارادة كي لا يهجر أرضه، وكل الشعب بانتظار تحسن الأوضاع”.

الأهالي: لا يمكننا الاستغناء عن المونة

ووصف أهالي البقاع “مونة” هذا العام بـ”السيئة” نتيجة إرتفاع الأسعار بصورة جنونية، فلعمل المكدوس يحتاجون الى: الباذنجان، الفليفلة، الحر، الجوز، زيت الزيتون والغاز. اما بالنسبة الى الكشك فيحتاج الى البرغل، والحليب والملح وغيرها من المسلتزمات الأساسية. ولفتوا الى أن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات عن السنوات السابقة، وفي ظل الارتفاع اليومي للغاز فضلوا اللجوء الى الحطب مع العلم أن سعر الطن منه أيضاً لم يعد كالسابق لكنه يبقى أوفر من جرة الغاز.

وأشار الأهالي الى أنهم إعتمدوا أنواعاً جديدة هذا العام، فعلى سبيل المثال بدلاً من استخدام زيت الزيتون من أجل المكدوس استبدلوه بأنواع أقل جودة ونوعية من أجل توفير الأموال، وتخصيصها لتوفير التدفئة لمنازلهم خصوصاً أنهم يعيشون في المناطق الجبلية المعروفة ببردها القارس.

وأوضحوا أنهم قاموا بتقسيم بعضهم الى مجموعات، وكل منها تجتمع في منزل واحد وتتقاسم سعر الحطب أو الغاز من أجل توفير المال، مؤكدين أن هذه السنة غريبة من نوعها والأوضاع المادية سيئة جداً، لكنهم عادوا ليتذكروا أيام الأجداد عندما كانت القرية بأكملها تتجمع من أجل “المونة”. وقالوا: “المونة هذا العام غنية بالكثير من الحب والمساعدة لأننا جميعنا تشاركنا في إعدادها وهذا الأجمل”.

صحيح أن الأوضاع تزداد سوءاً لكن روح المحبة والتعاون لا تزال مخيمة على أهالي البقاع، بحيث أن نخوتهم لا تسمح لهم بترك جارهم يعيش الأزمات وحده من دون مساعدته، لذا، فان مونة هذا العام أنجزت “بكل حب” على الرغم من كل الصعوبات.

شارك المقال