إحموا كبار السن… واستفيدوا من كفاءاتهم!

ليال نصر
ليال نصر

يشهد لبنان مثله مثل باقي دول العالم والعالم العربي، تغيراً ديموغرافياً متمثلاً في زيادة عدد كبار السن، الذين “يشكلون اليوم ١١٪ من مجموع السكان وهذا العدد في تزايد مستمر، بحيث تعيش غالبيتهم في المنازل و١,٤٪ منهم فقط يعيشون في مؤسسات الرعاية”، بحسب ما قالت الأستاذة الجامعية والخبيرة في شؤون كبار السن منال سعيد لموقع “لبنان الكبير”.

وأوضحت سعيد “أننا لا نستطيع أخذ كبار السن كفئة واحدة، اذ يعتبر كبير السن حسب التعريفات العالمية ابتداء من عمر ٦٥ وما فوق، وهذا ارتبط في العديد من البلدان بعمر التقاعد للتعبير عن كبار السن”.

بزيادة عدد كبار السن، إزداد أيضاً متوقع عمر الولادة، فلم نعد نستطيع اعتبار كبار السن فئة واحدة. لذلك هناك العمر الثالث والعمر الرابع، وتختلف حاجات هذه الفئات العمرية. ففي العمر الثالث، يحافظ كبار السن على استقلاليتهم الجسدية والادراكية، وهناك أشخاص في العمر الرابع يعانون أكثر من العجز وبحاجة الى رعاية.

وأشارت سعيد الى أن “الفكرة السائدة في لبنان والتي علينا أن نساهم في تغييرها، أن كل كبار السن عاجزون وبحاجة الى رعاية وخدمة، فيما يجب أن نفكر فيهم كأشخاص لديهم الكثير من الكفاءات التي لا نزال نستطيع الافادة منها والخبرات التي يجب عبر تكاتف الأجيال وتضامنها نقلها وتشير إلى دور الاعلام الكبير في تغيير هذه الصورة النمطية التي تظهر كبير السن كأنه عالة على المجتمع وعاجز، في الوقت الذي نستطيع الافادة من خبراته وإشراكه في صناعة القرار كي يكون منتجاً في المجتمعات”.

غياب الحماية الاجتماعية

للأسف، يعاني كبار السن في لبنان من غياب الحماية الاجتماعية، ما يؤثر على كل شرائح المجتمع وعلى الفئات المهمشة وهؤلاء من بينها، لأنهم يتركون عملهم في عمر معين وخصوصاً كبيرات السن اللواتي يعانين من تداعيات التقدم في العمر أكثر من الرجال، لأن الجيل القديم يقوم بأعمال غير نظامية لا تخوّله أن يكون من المضمونين أو يحصل على راتب كبير يدّخر منه، وهذا يضعه في سياق حقوق النساء والمساواة التي تلقي بظلالها عليهم عندما يكبرون.

من المعروف أيضاً أن النساء يعشن بما يعادل أربع سنوات أكثر من عمر الرجال وهذا يعرّضهن للوحدة، فنجد نساء وحيدات أكثر من مسنين وحيدين بسبب العادات الاجتماعية، فالنساء عندما يترمّلن، من الصعب مجتمعياً أن يتزوجن ويشركن الرجال في حياتهن مرة أخرى، فيما يقوم الرجال بذلك.

بغياب الحماية لكبار السن والضمان والمعاش التقاعدي، وازدياد الأزمة الاقتصادية، فقد كبار السن مدخراتهم في المصارف، وبالتالي فقدوا أمنهم الاجتماعي فيما هم بحاجة أكثر الى رعاية صحية بسبب الأمراض المزمنة والدواء الباهظ الثمن وغير المتوافر في بعض الأحيان، فيما لا إمكان لدخول المستشفيات بغياب الضمان.

واقع دور الرعاية

في ظل هذه الأزمات والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، لفت المدير التنفيذي لـ “دار الرعاية الماروني” مالك ماروني لموقع “لبنان الكبير”، الى أن واقعاً مريراً تعيشه مؤسسات ومراكز ودور الرعاية للمسنين، ويحاول مسؤولو المؤسسات ألا يجعلوه ينعكس على كبار السن الذين يعاني بعضهم مرض الزهايمر وهم لا يدركون أصلاً أو يشعرون بالأزمات التي تحصل في الخارج.

يحافظ مدراء المؤسسات والمراكز التي تقدم للمسنين الرعاية الصحية والشخصية قدر الامكان على استمراريتهم ولكن الموضوع ليس بالأمر السهل، فـ “دار الرعاية الماروني” مثلاً يحتاج يومياً الى حوالي خمسة عشر مليوناً من أجل تأمين المازوت، عدا عن الأموال لتأمين الطعام للمسنين ومستلزمات تغيير ملابسهم وغرف نومهم فضلاً عن مواد الغسيل والتنظيف ورواتب الموظفين الذين أصبح عددهم قليلاً بداعي تهجيرهم مقابل محدودية المساهمة في المساعدات من الوزارات المعنية كوزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية اللتين لا تدفعان منذ فترة أي فواتير للمؤسسات، ولا تستلم الأخيرة أي حوالات مالية بسبب وضع اليد على الأموال في المصرف المركزي.

وأشار ماروني إلى أن هناك عدداً لا يستهان به من الحالات المتروكة، فتقوم هذه المراكز بمساعدتها وتأمين الأدوية لها وإدخالها إلى المستشفيات وإجراء التحاليل لها عندما يلزم الأمر. أما بالنسبة الى الموجودين في الدار للرعاية الدائمة، فيشرف عليهم يومياً طبيب مختص، والموظفون دائماً في خدمتهم. وأوضح أن بعض المساعدات الفردية في هذه الظروف غير كافية، ففيما باتت كلفة المسن تبلغ ٥٠٠ دولار، لا تتخطى المساعدات المليون ليرة ما يدفع أصحاب المراكز الى طلب المساعدة من دون خجل.

دور الدولة اللبنانية

يدعو كل من سعيد وماروني الدولة اللبنانية إلى تسريع خطة التعافي خصوصاً أن هناك خطوات عملية سبّاقة في العالم العربي في هذا السياق، ولكن للأسف لم تصل الى خواتيمها، وقد وضعت استراتيجية وطنية لكبار السن تتضمن خارطة طريق لكل ما هو مطلوب كي يعيشوا في لبنان بنوعية حياة جيدة.

للأسف، من الصعب تطبيق هذه الاستراتيجية، لذلك يجب أن يكون العمل على خلق أو تأسيس نظام حماية شامل للجميع ومؤسسات رعاية صحية أولية، وأهمية العمل على تضامن الأجيال وخلق برامج تشاركية ليستفيد الجيل الجديد من كفاءات الكبار وتغيير الصورة النمطية لهم من شخص عاجز إلى شخص منتج، والعمل على موضوع العنف الذي زاد في الآونة الأخيرة، ووضع قانون خاص مفصّل على قياس كبار السن ليحميهم من العنف ويؤمن لهم حقوقهم الأساسية.

شارك المقال