لبنان راسب عاطفياً… أين الخطأ؟

تالا الحريري

ليس غريباً أن يصنّف لبنان من أسوأ الدول في كل المجالات، فإلى الأزمات التي تعصف به منذ سنوات، يؤثر نمط حياة اللبناني أيضاً على صحته الجسدية والنفسية والعاطفية، وخلال الأزمات الاقتصادية والمعيشية والصحية (جائحة كورونا) زادت تعاسته وفقره ومشكلاته عموماً، ولكن في الأساس قد يكون نمط حياته والأفكار التي تزرع فيه منذ الصغر والتشبث بها من دون تفكير هي التي تدفعه الى اتخاذ قرارات خاطئة.

في دراسة إحصائية لكل من “غالوب” (شركة تحليلات واستشارات أميركية تتخذ من واشنطن مقراً لها، أسسها جورج غالوب عام 1935 وأصبحت معروفة باستطلاعات الرأي العام التي تُجريها في جميع أنحاء العالم) و”ستاتيستا” (شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين)، صُنّف لبنان كأسوأ ثاني دولة في لائحة البلدان من ناحية معدلات الصحة العاطفية، وهذا المقياس اتخذ على أساس مشاعر الناس اليومية من الحزن والاجهاد والقلق والغضب والألم الجسدي.

استندت نتائج تقرير المشاعر العالمية للعام 2022 الى ما يقرب من 127000 مقابلة مع بالغين في 122 دولة ومنطقة في العام 2021 وأوائل العام 2022. وفقاً لمؤسسة “غالوب”، فإن ما يساهم في صعود التعاسة العالمية: الفقر، المجتمعات السيئة، الجوع، الوحدة وندرة العمل الجيد.

مطر: ظروف الناس تشتّت إنتباههم

وتعليقاً على ذلك التصنيف، أشارت الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر لـ”لبنان الكبير” الى أنّ “وصمة العار التي تمثلت في زيارة الطبيب النفسي كانت في أوجّها سابقاً، والآن تعدلت قليلاً لكنّها لا تزال سائدة إلى حد ما. مجتمعنا لا يعبّر عن مشاعره، ويتلهى بالأشياء السطحية والظاهرية وذلك نتيجة تربيته على عادات وتقاليد وليس على مبدأ الدين والايمان أو حتى الثقافة النفسية. يزداد النقص العاطفي لأنّ غالبية الأسر والعائلات خلف الأبواب المغلقة لديها طلاق عاطفي. والطلاق العاطفي بين الوالدين أسوأ من الانفصال الكلّي وهو ما يؤدي إلى هذه النتائج”.

وأوضحت مطر أنّه “لدى مراجعة أي دكتور أو أخصائي نفسي، يتبيّن أنّ غالبية زواره تعاني من نقص في الذكاء العاطفي الانفعالي أو المنشأ الاضطرابي النفسي، والحالة النفسية التي وصل اليها هؤلاء هي نتيجة مشكلة عاطفية تشكلت منذ الطفولة”، لافتة الى أن “حالة القلق والظروف التي يمر بها الناس تشتّت إنتباههم عن الأشياء الحقيقية، على سبيل المثال نحن كمجتمع عربي نربّي الشباب والذكور على مبدأ تقيّدهم بإحضار الأشياء المادية والعمل وغيره ونلغي من قاموسهم فكرة العاطفة، فيصبح إذا عبّر عن عاطفته إنساناً لا قيمة له وهذا يعتبر أسلوب تربية ونمط حياة نشأ عليه”.

وأكدت أن “غياب التعبير عن الأحاسيس والمشاعر السلبية أو الايجابية أو مشاعر الحب وغياب الحوار يدفع الشخص الى التركيز أكثر على القلق وكأنّه في مرحلة تعايش فقط لأنّه لا يملك الخيار الثاني. وبالتالي عندما سيجد متنفساً بسيطاً يقوم بالانتفاضة على الواقع الحالي الذي يعيشه”.

غياب المصالحة مع الذات وغياب معرفة نقاط الضعف والقوة لدى الشخص والعمل عليها يؤدي إلى النتائج نفسها، كما أنّ غياب العاطفة مرتبط بأسباب كثيرة سواء قلق واكتئاب وحالة حزن، أو تربية وعادات متأصلة لتصبح مكتسبة أو قد تكون وراثية، بحسب مطر، التي اعتبرت أنه “لا يمكن حل ذلك إلا إذا أراد الانسان تفريغ هذه الأمور. التربية على التزمت الديني من دون تفسير أنّ هناك إيماناً وتعبيراً عن الآراء هي من ضمن الأسباب التي تؤدي الى النقص العاطفي”.

حافظ: لبنان لا يكترث بالصحة النفسية

الطبيب النفسي محمد حافظ أشار لـ”لبنان الكبير” الى أنّ “عدم استقرار أي من كل النواحي اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً، عملياً وتربوياً، يؤثر على نفسية المواطن، وللأسف الشديد لبنان لم يكترث لا قبل الحرب ولا بعدها بالصحة النفسية للانسان”.

ولفت إلى أنّ “التطور النفسي للانسان منذ مرحلة الطفولة مروراً بالمراهقة وصولاً إلى سن الرشد، يجعل الحالة النفسية لديه عشوائية. فكل إنسان تطورت نفسيته ضمن بيئته الضيقة وهذا جعل من الناس متعددة التصنيف النفسي بدلاً من أن تكون متزنة من دون شوائب. والأهم من كل تلك المواضيع الأمن النفسي للانسان، لذلك عند عدم تواجده، تتأثر نفسيته بصورة مباشرة عند أي منعطف سلبي في الحياة الاجتماعية، فالانسان في الأساس يرتكز على تطوير نفسه وذاته في نفسية جيدة متماسكة”.

ولاحظ أن “كل الأزمات التي مررنا بها لم تعطنا سوى الأمور السلبية ولم يعد للمواطن هدف وهذا ما يشكل حالة قلق شديدة. لذلك يُقصد عاطفياً المعنى التعاملي على جميع الأصعدة، فالانسان لم يعد مشبعاً بالعطاء والتفكير الايجابي”.

وعن زيارة العيادات النفسية، أكد حافظ أنّ “الناس أصبحت تأتي بصورة إعتيادية وسريعة لأنّها باتت تدرك أنّ الموضوع نفسي بسبب الانعكاسات السلبية للمجتمع فتعيش الاحباط واليأس وحالات الاكتئاب. وقد ازدادت هذه الحالات، إذ نلاحظ أنّ هناك نوعاً من الدفاع ضد العلاج فأصبحنا لا نستطيع أن نقدم لهم شيئاً لأن الواقع الذي يعيشون فيه سيء بحد ذاته. لا نعمل سوى على تهذيب هذه النفسية وتقبل ما يجري ونحاول أن نجعلها في حالة تأقلم مع الواقع الذي تعيش فيه على أمل أن يتحسن الوضع عموماً. كما نلاحظ أن النقاشات السلبية داخل العائلات تحدث بإنعكاسات من الخارج”.

شارك المقال