الصحة النفسية للأطفال تحدّد مستقبلهم

ليال نصر
ليال نصر

هل فكرتم يوماً بصحة بناتكم النفسية كموردٍ لحياتهن المستقبلية؟ بما أن العاشر والحادي عشر من شهر تشرين الثاني/أكتوبر يومان عالميان، اليوم العالمي للصحة النفسية واليوم العالمي للطفلة، فإن من المهم ربط هذين الموضوعين والتحدث عن أهمية الصحة النفسية للطفلة وتأثيرها عليها وعلى مستقبلها. لكن، وقبل أن ندخل في تفاصيل الصحة النفسية للطفلة أو المراهقة، من المهم جداً معرفة أن الصبي والأطفال أو المراهقين عموماً أي الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً، تعتبر صحتهم النفسية مصدراً لحياتهم المستقبلية جيدة كانت أو غير جيدة وبحاجة الى التحسين.

الصحة النفسية هي الجزء الثاني في حياتهم بعد طفولتهم وعلى أساسها ينتقلون من الحياة السليمة أو الحياة التي فيها إشكاليات ويمكن أن تتطور، بحسب ما تقول المعالجة والاختصاصية النفسية آية مهنا لموقع “لبنان الكبير”، موضحة أن “الصحة النفسية هي ما تجعل الطفلة خصوصاً تنمو وتتعلم وتعمل مع الوقت على أمور يمكن أن تساعدها فكرياً وثقافياً وجسدياً حتى، وذلك من خلال كل التمارين التي تقوم بها خارج المدرسة. فتستطيع الطفلة أن تعرف كيف تستمتع بالحياة والأمور اليومية التي تعتبرها ثمينة بالنسبة اليها”.

كيف تؤثر الصحة النفسية على مستقبل الطفلة؟

عندما تفكر الطفلة بمستقبلها، إن كانت صحتها النفسية جيدة، تستطيع أن تعتبره مليئاً بالأمل وتكون قادرة على أن تشعر بأنها مسؤولة عن مصيرها إلى جانب أهلها. ومن هنا أهمية التركيز على أن مصير الأطفال عمل مشترك من عمر صغير بين الأطفال والأهل، كما من المهم تعليم الطفلة أن تحب نفسها “وهذا صعب في مجتمعنا”، تضيف مهنا التي تشير إلى ضرورة أن تكون البنت راضية عن نفسها وحياتها، لأنها عندما تعرف أن هناك أشخاصاً يهتمون بها بطريقة آمنة وفاعلة وصحة أهلها النفسية جيدة حتى إن وجدت بعض الاشكاليات كالأمراض النفسية، تتفهم أن بإمكان الشخص أن يتعايش مع مشكلاته بطريقة إيجابية، وهنا لا نعتبرها مشكلة طالما تتواجد الفتاة في بيئة آمنة وهناك من يهتم بها لتكون حياتها أفضل.

وتشدد مهنا على أهمية التركيز على محاولة معرفة ما إذا كانت الفتاة تشعر في الجو العائلي الذي تعيشه بالزّعل أو التعاسة أو الخوف من حدوث مشكلة ما أو تعاني قلقاً أو غضباً داخلياً وتعصيباً لا تستطيع التعبير عنه، أو إذا كانت تشعر أنها ليست محبوبة بصورة كافية وغيرها من الأمور التي تجعلها تفكر في المستقبل بطريقة فاعلة وإيجابية حتى لو كانت بعمر الست سنوات. فالفتيات في هذا العمر، يحلمن بأن يصبحن عندما يكبرن معلمات، مغنيات وربما أميرات، فكيف إذا كنَّ في بداية عمر المراهقة ولا يستطعن إسقاط ما لديهن من رغبة في فعل شيء ما هو أملهن في الحياة؟ وإذا اكتشفنا أن الفتاة غير قادرة على التحكم بحياتها حتى لو كان عمرها بين الثلاث سنوات الى عمر المراهقة ولا تستطيع قول كلمة “لا” لأي شخص يمكن أن يؤذيها، فعندها نعرف أنها لا تتمتع بصحة نفسية، وهنا علينا تأمين البيئة الصحية والآمنة والحاضنة للطفلة لنتفادى إصابتها باكتئاب يحتاج الى العلاج بطريقة فاعلة.

علاقة البيئة الآمنة بالصحة النفسية

لتنمو الطفلة بصورة صحيحة، علينا كأهل، الانتباه الى صحتنا البدنية أولاً، فنتناول الأدوية والعلاج بالصورة الصحيحة إذا كان ثمة مرض ما، يجعلنا نتأقلم مع مشكلتنا الصحية ونستطيع تربية أطفالنا بأسلوب جيد، وهذا ينطبق على الأطفال عندما يمرّون بمشكلة نفسية، فعندما نؤمن لهم بيئة حاضنة، يصبحون في حالة جيدة على الرغم من كل الاضطرابات والأهم ألا ينعدم الأمل عندهم. فحتى في حالات طلاق الأهل، ليس بالضروره أن يؤثر هذا بصورة سلبية على الأطفال، خصوصاً إذا عرفوا أن الحب والايمان بمستقبلهم والثقة بهم متوافرة، ما يجعلهم ينمون بطريقة صحية، وهكذا يتم تشبيك العلاقة بين أهمية البيئة الآمنة والصحية لنمو الطفل بطريقة صحية لا يؤمنها لهم المجتمع.

ما الذي يجب أخذه في الاعتبار؟

تلفت مهنا إلى أن هناك أموراً يمكن أن تظهر صحة نفسية جيدة، فيما يكون الواقع مختلفاً. مثلاً، يمكن أن تعيش طفلة في بلد آمن مع أهل يحبونها لكنها تعاني في الوقت نفسه إشكاليات متعلقة بالوراثة أو الأكل. فناحية التغذية مهمة جداً وخصوصاً للطفلات اللواتي يأكلن بطريقة غير صحية ما يؤثر على قدرتهن على التركيز وأشكال أجسادهن وقدرتهن التحملية خلال التمارين الرياضية أو الدراسة، وهذا له تأثير على صحتهن النفسية فيشعرن دائماً بالتوتر وعدم الاستقرار حتى يصلن الى درجة رؤية الكوابيس وعدم الراحة والأمان من دون أن يفهمن لماذا يشعرن هكذا.

وتضيف مهنا: “ان أسباباً خارجية أحياناً تؤثر أيضاً خصوصاً إذا عاش الأطفال في منزل يعاني مشكلات مادية، فقلة المال والطعام وحتى الكهرباء تجعلهم يرون أهلهم فاشلين فيبتعدون عن أجواء المنزل ويلجأون الى صداقات ممكن أن توحي لهم أن باستطاعتهم تأمين أمور مادية أكثر”. وتؤكد أن هذه الاضطرابات النفسية تحصل عادة في عمر المراهقة فتسأل المراهقات أنفسهن: من أنا؟ وكيف أرتاح؟ وأين؟ خصوصاً في المجتمعات التي تقمع المراهقات والبنات فيشعرن بالضياع، الى من يلجأن؟ ومن المثال الأعلى لهن ليستطعن الوصول إلى مكان يشعرن أنهن مفيدات؟

نصائح موجهة الى الأهل

لتأمين الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، يجب تأمين المكان الذي يشعرهم بالراحة خلال النوم، وحيث يؤمن لهم الطعام الذي يحبونه والأمور التي يجب عليهم فعلها. كما يجب تأمين الوقت الفاعل والنوعي مع كل أفراد الأسرة ليس الأم وحسب خصوصاً إذا كانت طفلة، فالفتاة يجب أن تجلس منذ صغرها مع شباب ورجال ونساء كي تفهم الفرق وتدرك أين يجب أن تجلس ومع من، ولكي تدرك الشيء الطبيعي الذي يحصل بين أشخاص من نوع إجتماعي مختلف. فلا نربي البنت على فكرة أن الرجل مخيف بل نعلمها كيف تضع حدوداً مع أي شخص، وأن تعرف أنه حتى لو كانت امرأة، ليس لها الحق أن تضع يدها عليها بطريقة لا تحق للرجل، بل بالعكس كلاهما الشيء نفسه.

وتشير مهنا إلى أهمية أن يكون للفتاة وقت كاف ومتوازن مع رجال ونساء لتشعر أن لديها مثالاً أعلى رجلاً كان أم امرأة.

أما بالنسبة إلى التمارين الرياضية، فتشدد مهنا على ضرورة قيام الفتاة بهذه الأمور مع والدها ووالدتها معاً، وممكن أن تقوم بالطبخ والتنظيف مع الأب والرياضة مع الأم ليكون هناك توازن في كل شيء.

ومن أهم النصائح للتأكد من نمو الصحة النفسية عند الأطفال، هي توعيتهم على التعبير بصورة جيدة عن مشاعرهم وقول الأمور التي تواجههم لأشخاص قريبين منهم في العائلة. ومن غير المحبذ أن نطلب من الصبي عدم البكاء مثل البنات وكأن المشاعر تتعلق بالبكاء، فالمهم تعليم الأطفال التعبير عن المشاعر كيفما كانت فرحاً أو قلقاً أو اندهاشاً. وإذا مروا بفترة توتر، فنؤكد لهم أن هذا لن يؤثر على حبنا لهم.

من المهم جداً كأهل، أن نلعب دور الطفل ونسأل أنفسنا ماذا كنت أحب أن يقول لي أهلي لأرتاح نفسياً؟ هكذا نستطيع تحليل المشكلات في العائلة أو خارجها بطريقة صحية ومن دون قمع لمشاعر الفتاة تحديداً.

وأخيراً، عندما نعرف أن أطفالنا يتعرضون للتنمر في المدرسة مثلاً، علينا أن ندرك ما إذا كانت لديهم صعوبات في التعبير، وسؤالهم ما الذي يزعجهم أو يفرحهم.

شجّعوا أطفالكم على الكلام في أي موضوع، فكل طفل ينمو على قدر ذكائه بطريقة صحية، وتكون صحتهم النفسية جيدة، إذا تعلموا كيف يضعون الحدود التي يريدونها في حياتهم، والتركيز على ما يسعدهم باتجاه تنمية صحية أكثر.

شارك المقال