مقترح الكتروني للأحوال الشخصية… لكل مواطن كيانه

تالا الحريري

لطالما طاولت الشكاوى قانون الأحوال الشخصية اللبناني من منع الزواج المدني إلى منع المرأة من وضع أبنائها على كنيتها أو جنسيتها، إضافة إلى المشكلات التي تُثار حول النفقة، حضانة الأطفال، وعصمة الطلاق. سجلات القيد من الأحوال الشخصية هي الأوراق الثبوتية لأي إنسان ميتاً كان أم حياً، فهي التي تثبت إسمه، دينه، حالته الاجتماعية، وزواجه وطلاقه. لكن لا يمكن التغاضي عن أخطاء سجلات القيد التي تعطّل دائماً إجراءات المواطن نتيجة خطأ في كتابة الاسم أو المواليد وغيرها.

مع ذلك حرص النظام اللبناني على إحترام الاحوال الشخصية إذ تنص المادة 9 من الدستور اللبناني على أنّ “الدولة تضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية” التي نُقلت بحرفيتها من نص صك الانتداب لسوريا ولبنان.

بسبب هذه الاشكاليات وغيرها عملت جمعية “روّاد الحقوق” منذ العام 2016 على وضع صيغة قانونية جديدة ومتطوّرة وعصرية للسجلّات المدنيّة. كما تهدف بهذا المقترح الى مساعدة مكتومي القيد وهم الفئة الأكثر تضرراً في المجتمع.

محطات الاقتراح المقدّم

وفي السياق، أوضحت مسؤولة المناصرة في “روّاد الحقوق” بيرنا حبيب لـ”لبنان الكبير” أنّ “الاقتراح قُدّم إلى مجلس النواب في تموز 2021 وتبناه النائب أسامة سعد. العمل بدأ عليه كمقترح في العام 2016 حينها كُتبت أول مسودة عن طريق خبيرة في مجال القيود والجنسية والأحوال الشخصية”.

أضافت: “نوقشت المسودة الأولى في لقاءين مع خبراء وأساتذة مواد قوانين الأحوال الشخصية والجنسية ومحامين اضافة إلى لقاءات مصغرة مع قضاة ورجال دين، وأخذت ملاحظاتهم وتعليقاتهم وردود فعلهم في صياغة مسودة ثانية للمقترح. هذه المسودة تمت مناقشتها على مدى سنتين في مجموعة مصغرة من الخبراء الذين كانوا يشاركون الخبراء أنفسهم في مجال القيود والجنسية والأحوال الشخصية بصورة شبه أسبوعية لمناقشة مواد المقترح مادة مادة، للتأكد من أنّ المقترح متناسق مع بعضه البعض ومع النظام اللبناني والبيئة اللبنانية إلّا في بعض القوانين التي نقترح تعديلها أو تغييرها حتى تتماشى مع هذا المقترح”.

تجاوب المعنيين والمجتمع مبكر

وعن التجاوب مع هذا المقترح، أشارت حبيب إلى أنّ “الحديث عن موضوع التجاوب معه لا يزال مبكراً، لأنه لم يمض الكثير من الوقت على تقديمه. كما أنّ البلد شهد إنتخابات نيابية ومناقشة موازنة وأزمات، لذلك لم يمر الكثير من الوقت حتى نقوّم التجاوب المشرّع وهو حتى الآن لم يُحل على لجان نيابية بل لا يزال لدى أمانة سر مجلس النواب. وحسب علمنا أُحيل على الحكومة”، مؤكدة “أننا في صدد تنفيذ حملة من أجل إقرار هذا المقترح، الذي أقيم عدد من الورشات مع الجهات التي يقدم لها دوراً في تطبيق مواده والتصريح بوقوعات الأحوال الشخصية كالقطاع الصحي أي نقابة المستشفيات الخاصة ونقابة القابلات القانونيات ومع المحاكم الشرعية والمذهبية والمطرانيات. كما قمنا بورشات مع إدارات رسمية ومنظمات مجتمع مدني، الذي يعبّر عن توجهات تشبه هذا التوجه للاصلاح واقرار قوانين متطورة وحديثة تتقدم بدولة القانون والمؤسسات الى الأمام”.

ولاحظت حبيب أنّهم لمسوا “تجاوباً واهتماماً في الكثير من المسائل الجديدة التي يطرحها الاقتراح، واهتماماً بالأمور التي سيغيرها والأعباء التي سيخففها والاصلاحات لأنّه ضمن سياق الاصلاح الكبير حتى يصبح لدينا نظام متكامل شامل متطور حديث وممكنن لقيود الأحوال الشخصية. فالتجاوب كان مع المكننة لإجراءات كامل مسار قيد وثائق الأحوال الشخصية ومسار الحصول على إفادات وبيانات أحوال شخصية ومكننة السجلات. يعني الاقتراح يقوم بالانتقال من السجلات اليدوية الى قاعدة بيانات موحدة”.

الرقم الوطني لكل لبناني

إضافة إلى ذلك، فإنّ الاقتراح يعمل على “إدخال فكرة الرقم الوطني (الرقم الوطني للبناني والتعريفي لغير اللبناني). نحن لدينا قانون يرعى الرقم الوطني لكنه غير مفعّل لكن في الاقتراح دخلنا في تفاصيله أكثر”، بحسب حبيب.

وبالنسبة الى التكلفة التي هي جزء أساس من إقرار هذا المقترح، قالت حبيب: “الاقتراح يمكنن كامل المسارات وبالتالي يقوم بربط بين المؤسسات التي تقوم بها الوقوعات وبين إدارة الاحوال الشخصية. هذا الربط هو الكلفة يعني هناك كلفة لخلق قاعدة بيانات وبرنامج يربط المؤسسات التي تحصل فيها الوقوعات بالادارة، وهذه أكبر كلفة فعلياً. إلى جانب كلفة الصيانة وكلفة الأمان (الحفاظ على المعلومات backup)، أيضاً هناك كلفة لخلق الرقم الوطني وادارته. أمّا المواضيع الأخرى فلا كلفة لها لأنّها فورية وتلقائية”.

أضافت: “هذا يأتي ضمن الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرقمية التي أقرتها الحكومة. تلك الاستراتيجية التي تضم بشكل ما الرقم الوطني وربط الارادات وغيرها، وبالتالي من المفترض رصد موازنة لها عند الادارة اللبنانية وأن يكون لها تمويل. ففي السابق كان يعطى تمويل للدولة من أجل مكننة الأحوال الشخصية وبالتالي هناك نوع من الدعم الوطني”.

حاجة اللبنانيين إلى قانون جديد

وبالنسبة إلى حاجة لبنان الى قانون جديد، قالت حبيب: “الحاجة واضحة لذلك بادرنا الى هذا الاقتراح. الحاجة إلى قانون جديد تنطلق من نقاط عدة:

– أولاً نحن اليوم نعمل في قانون قيد وثائق أحوال شخصية منذ العام 1951 ولم يلحق به أي تعديلات سوى تعديلات طفيفة وآخر تعديل كان في سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي بتنا نعمل على قانون يمكن تصنيفه بأنّه قديم ومنذ ذلك الوقت أصبح هناك الكثير من التطورات في كل شيء وهناك اعتماد للمكننة وبالتالي يجب تعديل القانون ليتماشى مع العصر.

– ثانياً، نحن اليوم أمام مراجع ونصوص قانونية عدة ترعى قيد وثائق الأحوال الشخصية في لبنان، وبالتالي هناك بعض التبعثر في النصوص القانونية التي لا بد من جمعها في نص واحد وهذا ما قام به المقترح.

– ثالثاً، لا نزال نعتمد سجلات ورقية ما يعني إحتمال وقوع أخطاء أو ضياع لبعض المعلومات في حال تُلف الورق أو لأي أسباب أخرى، لذلك نحن بحاجة الى قاعدة بيانات الكترونية مع أرشفة الكترونية.

– رابعاً، في نظامنا اللبناني، الأفراد عليهم واجب التصريح بوقوعات الأحوال الشخصية وهذا ما يشكل اشكالية وعبئاً لديهم وعدم تصريح بالوقوعات. وعدم التصريح هذا يعني وجود معلومات خاطئة أو ناقصة ولا تعكس واقع المواطن. وهناك عبء آخر وهو أنّ سجلات الدولة غير مكتملة وليست دقيقة ما يسبب مشكلة لدى الادارة التي لا يمكنها أن تكون أكيدة من المعلومات. الاقتراح هنا ألغى المبادرة الفردية وجعل هذه المواضيع مسؤولية الدولة حتى يكون لديها علم بكل الوقوعات وتكون سجلاتها صحيحة ودقيقة ومتكاملة.

– خامساً، نظامنا اليوم غير شامل، هناك الكثير من الناس غير موجودين لدى سجلات الدولة أي لا وجود لهم وبالتالي لا حقوق لهم، ومن جهة أخرى الدولة اللبنانية لا تعرف عنهم شيئاً وهذا ما ينتقص من سيادتها، منهم أجانب لا يمتلكون الاقامات ولا يصرحون بوقوعاتهم لأن التصريح بالوقوعات بالنسبة اليهم يتطلب إقامة باستثناء السوريين مؤخراً بعد الأزمة السورية. والفئة الثانية هي مكتومو القيد ولا توجد أي وقوعات لهم”.

-سادساً، بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بلبنان وارتفاع كلفة الانتقال على المواطن والموظف إلى ارتفاع أسعار المستندات التي أصبحت باهظة، هذا إن توفرت.

وتابعت حبيب: “من الحاجة أيضاً أنّه حان الوقت كي تعتمد الدولة اللبنانية مفهوم الرقم الوطني بدلاً من رقم القيد العائلي الذي بات من الصعب ادارته بصورة منظمة. والرقم الوطني يعني أن يكون لكل مواطن رقم يسرّع على الادارة ضبط كل معلوماته الشخصية العدلية والمالية، إضافةً إلى أنّه يسهّل على المواطن الحصول على معلومات تخصه وبالتالي بات لديه كيان فردي، وكذلك المرأة يصبح لديها كيان فردي عند وجود رقم خاص بها”.

مكتومو القيد وكيفية التسجيل

أمّا في موضوع خدمة المقترح مكتومي القيد، فأوضحت حبيب أنّ “هذا الاقتراح لا يستهدف فئة مكتومي القيد وحسب، إنما هدفه تطوير نظام قيد وثائق الأحوال الشخصية في لبنان وبالتالي مكتومو القيد سيستفيدون منه كأي شخص آخر وسيصبح لديهم قيد أي وجود، لكن يبقى الوضع القانوني مكتوباً أنّه مكتوم قيد. كما أنّهم يستفيدون من تسوية الوقوعات السابقة بصورة ادارية والتي لم تسجل سابقاً”. لكنها شددت على أنّ “هذا الاقتراح ليس قانون جنسية ولا يمنح هؤلاء الأشخاص الجنسية بل يسجل وجودهم فقط”.

وعن المشكلات حول هذا الاقتراح وكيفية التعامل معه، لفتت إلى أنّ “هذا المقترح جاء حتى يعالج المشكلات الموجودة ويجد حلولاً بالنظام والقانون الحالي”.

وبالنسبة الى التسجيل، كل الوقوعات تسجل الكترونياً كل المؤسسات مربوطة مع الادارة عن طريق برنامج الكتروني من جانب المؤسسات وليس الأفراد، وحتى الوقوعات التي تحصل خارج لبنان تتم الكترونياً عن طريق البعثات اللبنانية في الخارج.

شارك المقال