“الأوتوكار” عبء على الأهل… والتسعير حسب البنزين

جنى غلاييني

“أوتوكار” المدرسة لطالما اعتبرناه ونحن صغار تجربة بحد ذاتها… نستيقظ قبل “طلوع الضو” ونستعجل كي لا يفوتنا… في طريقنا الى المدرسة كان التلامذة ينقسمون الى مجموعات، منهم من يتسايرون، ومنهم من يفتح كتبه لمراجعة دروسه، أما من يختار الجلوس قرب النافذة فيسرح في خياله… وفي رحلة العودة الى البيت يخيم علينا الضحك واللعب فرحين بانتهاء دوام المدرسة، ولا بد قبل الوصول من أخذ قيلولة خاطفة.

من منا لم يعش هذه التجربة؟ فالأوتوكار كان مناسباً لجميع فئات المجتمع لكنه اليوم أصبح حكراً على أولاد الطبقة الميسورة، بسبب أجرته المرتفعة نتيجة الارتفاع المستمر والهائل في أسعار المحروقات والانهيار المتواصل للوضع الاقتصادي والمعيشي، ما جعل غالبية الأسر غير قادرة على دفع مصاريف نقل أبنائها التي قد تصل إلى 4 ملايين في الشهر أو أكثر للتلميذ الواحد. فهل من بدائل اعتمدها الأهل لنقل أولادهم الى المدرسة؟ وماذا يقول أصحاب الأوتوكارات؟

بعد قرابة شهر على بدء العام الدراسي، أكد أحمد ناجي، وهو أب لولدين، عدم قدرته على دفع المزيد من المصاريف، قائلاً: “دفعت (اللي فوقي واللي تحتي) بدءاً من الأقساط المدرسية الى تأمين الكتب التي أصبحت أسعارها خيالية وصولاً الى شراء القرطاسية اللازمة لولديّ. فخلال شهر واحد دفعت مبلغاً يوازي 6 أضعاف راتبي الشهري، ولو لم أكن أدّخر المال لوجدت نفسي عاجزاً عن وضع أولادي في المدرسة، ولكن وصلت الى مرحلة لا يمكنني فيها صرف المزيد من المال وإلّا فسنبقى من دون أكل وشرب”.

أضاف: “بعدما سألت عدداً من أصحاب الأوتوكارات عن تكلفة نقل ولديّ الى المدرسة ذهاباً وإياباً لم أجد واحداً يكلف أقل من 5 ملايين ليرة، أي ما يعادل نصف راتبي تقريباً، كلفة نقل من منطقة عائشة بكار الى منطقة برج أبي حيدر، لذا لم أجد حلّاً سوى أن أوصلهما بسيارتي ثم أكمل طريقي الى العمل لأصل متأخراً كل يوم”.

أما نرمين السعيد، وهي أم لثلاثة أولاد، تهتم بهم وحدها بسبب عمل زوجها في الخارج، فتجابه كل الضغوط المدرسية بمشقة، وتوضح “لدي ثلاثة أولاد كل منهم في مدرسة مختلفة عن الأخرى، اثنان في مدرسة خاصة، كلّفاني الكثير من المصاريف، والابن البكر في مدرسة رسمية. فعلى الرغم من القسط المدرسي المخيف لولديَّ في المدرسة الخاصة والكتب التي يطلبونها منا ولا نجدها وإن وجدناها نصدم بأسعارها وكأنّنا وجدنا كنزاً، تخطينا هذه الأمور ووصلنا الى تأمين أوتوكار لنقلهما، لكن الأوتوكار الخاص بالمدرسة تكلفته مرتفعة جداً، فاضطررت الى أن أبحث لهما عمن يوصلهما، ووجدت صاحب باص صغير يوصل عدداً قليلاً من الأطفال الى أكثر من مدرسة، وبعد نقاش طويل اتفقنا على أن أعطيه ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة، لكنه اتصل بي منذ يومين ليقول لي ان أسعار الوقود ترتفع ويريد فوق المبلغ المتفق عليه مليون ليرة زيادة، ولأنّ ما باليد حيلة فسوف أدفع له، ولكن إذا أراد المزيد فبالتأكيد لن أستطيع أن أعطيه، حتى لو اضطرني الأمر الى أن أوصل أطفالي الى المدرسة سيراً على الأقدام. أمّا ولدي الكبير فلديه دراجة هوائية يذهب بها الى مدرسته”.

أسعار المحروقات ترتفع، تعرفة وسائل النقل العام تحلّق، وأجرة الأوتوكارات المدرسية تضاعفت 6 مرات ولم يقدم المسؤولون في الدولة أي مساعدة أو حلّاً لهذه المشكلة.

أبو طلال، صاحب باص صغير أو “فان” كما يقال، يعمل في نقل الطلاب الى مدارسهم، ولكن وفقاً لما يقول “ما بقى عم توفّي معي”. ويضيف: “إذا أراد الأهل أن يسعّروا بأنفسهم فكيف لي أن أسترزق من هذا العمل؟ أنا صاحب باص صغير يتسع لـ 7 أولاد فقط، وحالياً آخذ مليونين ونصف المليون عن الطالب الواحد أي 17 مليون و500 ألف، أقوم بتعبئة الوقود للباص تنكة واحدة كل يومين أي تقريباً 10 مرات في الشهر، فيبقى لجيبي من رزق حوالي 10 ملايين ليرة أو أقل أي 240 دولاراً، وأنا مسؤول أيضاً عن إطعام عائلتي وتأمين التعليم لأولادي وإلّا فكيف أستطيع أن أكمل بتعرفة مجحفة؟”.

شارك المقال