على طبق من “لايك”… تتوظف

نور فياض
نور فياض

للحصول على وظيفة في اختصاصك، لست بحاجة الى شهادة به، بل عليك أن تحصل على شهادة تقدّم لك على طبق من “لايك”.

نشهد اليوم ظاهرة خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي ألا وهي شهرة على حساب الاختصاص، بحيث أتاحت هذه الوسائل الفرصة أمام النجوم وفتحت لهم باب المجد نحو نجومية الاعلام والتمثيل. البعض منهم يحمل أفكاراً هادفة وتناقش قضايا مجتمعية، والبعض الآخر يعتمد الطرح التافه لتحقيق أعلى نسبة من المشاهدات، وبالتالي يصنع المشاهد من صاحب الأداء الهابط نجماً ليؤثر على صاحب الاختصاص.

يقول أستاذ الاعلام في الجامعة اللبنانية الدولية الاعلامي عباس زلزلي لـ”لبنان الكبير”: “من السهل أن نهاجم من يقدمون محتوى لا تسمية له. لدينا فئة لا تمتلك الثقافة، الموهبة ولا حتى العلم وعلى الرغم من ذلك تجد النجاح، ولكن في الاعلام نقول ان الصحافة هي مرآة المجتمع، انطلاقاً من هذه المقولة نطرح السؤال التالي: ماذا يريد المجتمع؟ اذ أن نسبة كبيرة منه تجد هذه الفئة موهوبة ومضحكة.”

ويأسف زلزلي لـ “ما وصلنا اليه بحيث اختلفت المعايير وتبدّلت وأصبح هؤلاء يتزايدون على الشاشات على حساب أصحاب الاختصاص بتقديم البرامج، ومنها الكوميدية، فهم يؤمّنون نسبة مشاهدة عالية تزيد من الاعلانات التي بدورها تؤمّن المال وبالتالي تعطي استمرارية للمؤسسة، وهذا ما تريده الأخيرة لأن الاعلام يعاني من مشكلة التمويل.”

وعن سبب ترك أصحاب الاختصاص ان كان صحافة، أو تمثيل أو فن المجال لهؤلاء، يؤكد زلزلي أن “الصحافي أو الاعلامي لا يمكنه الوصول الى ما وصل اليه من تخطوا كل الخطوط الحمر والقواعد وحتى بعض الأمور الأخلاقية، ولكن يمكنه أن يقدم شيئاً مقبولاً ولا يستسلم بسهولة لأن من المستحيل أن يقدم المادة نفسها.”

ويشير زلزلي الى أن “هناك انزعاجاً تاماً مما نشاهده من محتويات مقرفة ومعيبة، ولكن الاعلام business وهو بحاجة الى المال والبرامج النخبوية لا تستحوذ على مشاهدات، وهذه المعضلة لا أحد قادر على تفسيرها. فهل بإستطاعتنا أن نقف في وجه الناس التي تريد هذا المحتوى؟ فهي من شهرتهم”.

ويضيف: “أنا أجعل طلابي يعون طريقة تفاعلهم مع مواد كهذه، وأطلب منهم أن ينتبهوا لمن يضعون اللايك، فبهذه الكبسة تساهمون في شهرتهم. وأطلب منهم ان أرادوا دخول مجال السوشيل ميديا أن يقدموا محتوى هادفاً كالرياضة، الطبخ والموضة”. ويشدد على “أننا لا يمكن أن نجلس في منازلنا وخلف مكاتبنا وننتقد. هذه المعركة فرضت علينا كأصحاب اختصاص فعلينا معرفة كيف نديرها وفق أية قواعد واذا لم ندافع عن اختصاصنا فنحن لا نستحقه.”

في السياق، يؤكد البلوغر والممثل عصام مرعب أن “ما يحدث اليوم غير طبيعي، اذ نجد غير الكفوئين يحلون مكان من ضحى ودرس ودفع الكثير من المال في مجال دراسته ان كان في التمثيل، الاخراج، الصحافة وحتى الطبخ، بحيث نجد أن العديد يعتبرون أنفسهم طباخين وهم لم يدرسوا المهنة، ولكن السوشيل ميديا أتاحت لهم الفرصة للوصول بطريقة سريعة والحصول على المال بفضل موهبة التصوير التي يملكونها. وهذا ينطبق ايضاً على المجالات كافة.”

ويعتبر أن “خريج التمثيل لم يعد بحاجة الى دراسة الاختصاص، وكل ما عليه فعله أن يأخذ دورات ويتعلم من السوشيل ميديا ويطبّق السخافات على تيك توك من خلال تصوير ڤيديو وتحريك الشفاه ليصبح لديه عدد كبير من المتابعين ما يجعل المنتج يطلبه بغية الحصول على المال وهذا ما يحدث في لبنان.”

ويعرب مرعب عن أسفه لما آلت اليه الأوضاع تجاه الممثل بحيث أصبح الأكثر حضوراً على السوشيل ميديا هو الأكثر طلباً، مشيراً الى أن “الدور الأول بات غائباً عن الممثل اللبناني وخصوصاً فئة الذكور والأكثر حضوراً على منصات التواصل الاجتماعي يأخذ مكان الممثل الذي تعب كل حياته في الدراسة وهو الأكثر كفاءة لكن لا فرصة له لأن المنتج يركض وراء المال وليس المضمون، ووراء من يجلب له عدداً كبيراً من المشاهدة حتى لو كان غير كفؤ، وهذا ما نشهده اليوم اذ أن الفتاة غير المحتشمة تأخذ الأدوار الأولى بينما المحتشمة لا مكان لها لأنها لا تؤمّن نسبة مشاهدات عالية”.

ويلفت الى أن “هذا الموضوع للأسف موجود في لبنان وكل العالم، ولكن في الخارج هناك نقابات اما في لبنان فالنقابة مثل الشبح تظهر حينما تريد أخذ الجوائز ثم تختفي.”

ويرى الممثل محمد فوعاني أن “السوشيل ميديا وجدت الموهوب وغير الموهوب”، معتبراً أن “النجاح ليس بالشهرة فهنالك العديد من المشاهير غير ناجحين وخصوصاً على تطبيق تيك توك الذي يحوي على التافه والموهوب في آن واحد.”

ويؤكد فوعاني أن “الشخص الأكاديمي سيأتي يوم ويأخذ حقه لأن موهبته حاضرة، اما التافهون فحاضرون اليوم ويأخذون فرصاً بسيطة لأن التيك توك موضة تتهافت عليها غالبية المجتمع. وهذه الموجة المؤقتة ستزول مع الوقت لتتاح الفرصة أمام الأكاديمي ليبرز في مجال عمله.”

متعلم أو غير متعلم لا يهم، موهوب أو غير موهوب لا يهم أيضاً. المهم أن تنشئ حساباً على منصات التواصل الاجتماعي وتجمع عدداً كبيراً من المتابعين لتدخل مجال التقديم، التمثيل وغيره… وكما تقول الأغنية “نحنا ما عنا ناس تتوظف بشهادتها عنا ناس بتطلع على تيك توك لتتوظّف”، والتحوير في الكلمات مقصود، على أمل أن يأخذ كل شخص حقه.

شارك المقال