المخدرات الرقمية في لبنان… الحذر واجب!

راما الجراح

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها المواطن اللبناني تجعله عُرضة للمخاطر بفعل الاضطرابات النفسية التي تفتك به، فيبحث عن زاوية آمنة تُلبي رغبته في الشعور بالهدوء أو الأمان على طريقته الخاصة، هرباً من ضجيج المصاريف المنزلية، وأقساط المدارس، وتكاليف التدفئة والبنزين… وفي ظل التقدم الكبير وثورة التكنولوجيا وتطورها، ومع إصرار الانسان أيضاً على أن يبتكر ما يؤذيه ظناً منه أنه بذلك يزيد من استمتاعه بالحياة وما توفره له الحضارة التي وصل إليها، ظهرت “المخدرات الرقمية” أو ما يُطلق عليها اسم”Digital Drugs” أو”iDoser”، وهي عبارة عن مقاطع نغمات تسمع عبر سماعات في كلا الأذنين، بحيث تبث ترددات معينة في الأذن اليمنى على سبيل المثال وترددات أقل في الأذن اليسرى. هذه “المخدرات الرقمية” نشأت على تقنية قديمة تسمى “النقر بالأذنين”، اكتشفها العالم الألماني الفيزيائي هينريش دوف.

منذ العام ٢٠١٤ فتح هذا الملف في لبنان، مع التحذير منه، وتجدد الحديث عنه في مطلع العام ٢٠١٧ بعدما أكدت التقارير الاخبارية التي نشرت بالوثائق رصد حالتين تعانيان من إدمان على “المخدرات الرقمية” في لبنان، وصدر قرار بإقفال جميع المواقع التي تروّج لمثل هذا المخدر، ومنذ ذلك الوقت لم نسمع عن هذا الأمر شيئاً. وبفعل الأوضاع الصعبة التي تضرب لبنان منذ العام ٢٠١٩ وتزداد سوءاً كل عام، لا بُد من التعرف أكثر على هذا النوع من الادمان غير المعروف بين عامة الناس، والاطلاع على تفاصيل أكثر لأخذ الحيطة والحذر.

مصدر مطلع على هذا الموضوع أكد أن “تأثير هذا النوع من المخدرات على الشخص أكثر من المخدرات التقليدية، باعتبار أنه يؤثر على توازن النفس ويصبح كأنه لا يستطيع التخلي عنها وتجعله منطوياً يفضل البقاء مع نفسه ومع هذه الموسيقى ما يؤثر على قدرته على التواصل مع الأهل والرفاق، كما تمنعه من الانتاج والعمل لأنه يؤثر بصورة كبيرة على تفاعلات الدماغ والعصب. لذا يتطلب هذا النوع من المخدرات التوعية والرقابة من الأهل لانقاذ الأبناء من خطر قد يصيبهم ويجعلهم فريسة سهلة”.

في حين رأى مصدر آخر تحفظ عن ذكر اسمه أن “الكلام عن هذا الادمان مجرد فلسفة لا طعم لها ولا لون، وليست هناك حتى الآن أية ورقة علمية تحمل دليلاً قاطعاً على أن هذا النوع من المخدرات يسبب الادمان أو مضر بأي حال من الأحوال، وهو مجرد إيحاء يعتمد على مدى تقبل الشخص له ومنشأه نفسي وليس كيميائياً”.

وشكك مدقق المعلومات محمود غزيل، بوجود ما يُسمى بـ”المخدرات الرقمية”، وقال عبر موقع “لبنان الكبير”: “التفاعل مع هذا الموضوع أمر مُضخم، وبالنسبة لي أعتبر أنه نوع من إحساس الموسيقى أو (Music therapy) وكما يحب الجميع سماع نوع معين من الموسيقى أو الأغاني كصوت فيروز صباحاً، وأصوات المياه والحيتان لتهدئة الأعصاب، في المقابل هناك فئة ترغب في سماع أصوات غريبة وتميل إلى الأغاني الصاخبة وأصوات الـ (Rock)، وهذا يعود الى مزاج الشخص”.

وبالنسبة الى الفيديوهات التي تنتشر لأشخاص مدمنين على “المخدرات الرقمية”، رأى غزيل أن “الأشخاص الذين يظهرون في الفيديوهات لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم، السماعات في آذانهم وأجسامهم ترتجف، هذا يعود إلى أن هناك حالة مرضية معينة عند الشخص ولا دخل للموسيقى بها، لأنه وفي الأساس الـ (Music therapy) هي من أهم العلاجات التي تستخدم في العالم. وقد يقوم هؤلاء الأشخاص بتسجيل هذه الفيديوهات لرفع المشاهدات على تيك توك مثلاً، أو تنشر لتخويف الناس من بعض الأمور أو إلهائهم بها”.

وأكد غزيل أن “المخدرات الرقمية حتى يستطيع الشخص ملاحظتها، وفحصها بالطريقة الصحيحة لا بد من حصول شيء ملموس، على الأقل مشاهد أو حوادث تحصل في البلاد ونعرف مَن هي الجهات التي تنشرها، والتقارير الاخبارية عن هذا الموضوع ليست دليلاً قاطعاً على وجود هذا النوع أو بدء انتشاره في لبنان في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها”، مشبّهاً هذه الحالة بحالة “عبّاد الشيطان” التي انتشرت في لبنان سابقاً “وبعد عمل طويل حول هذا الموضوع تبين أن لا وجود لشيء من هذا الكلام”.

وأوضح الدكتور النفسي عبدالله جراح أن “هذا الموضوع هو عادة تتكرس في الجهاز العصبي الذي يقوم بتسجل تأثيرات صوتية، على سبيل المثال في جلسة مع الأصدقاء والأقرباء عندما يرن هاتف أحدهم تلقائياً ينظر الجميع إلى هواتفهم ويتأكدون منها، وهذا يعني أن الجهاز العصبي أو الدماغ يستجيب لشيء اعتاد عليه من خلال هذا الهاتف. وقمتُ بدراسة عن البرمجة اللغوية العصبية، وهي تتعلق بالحواس التي تعتبر أهم شيء وكيف يمكن برمجتها حتى تصبح خاضعه للشخص، فاما أن تكون إيجابية أو سلبية بحسب ما نقوم بتدريب حواسنا على أي موضوع معين. فهناك أشخاص اعتادوا الدراسة على صوت الموسيقى، أو لا يستطيعون النوم إلا وهم يسمعون نوعاً معيناً من الموسيقى، كما أن هناك من لا ينامون في الليل على الضوء وبالعكس، كل هذه الأمور تعود الى كيفية تعود الانسان على أن ينسجم معها، ولا شك في أن هذا الانسجام قد يكون سلبياً أو إيجابياً”.

واعتبر أنه “لا يمكننا أن نضع هذا التصرف تحت عنوان الادمان إلا إذا بدأنا نلمس ظواهر غريبة وعضوية بدأت بتدمير الشخصية، وعندما نصل إلى هذه المرحلة والسلوك الشاذ والانفعال القوي وغيره، هنا يمكننا أن نبدأ بتصنيف هده الحالة بالادمان”.

إذاً، “المخدرات الرقمية” بين الوهم والحقيقة، وليس هناك أي دليل علمي حتى الآن على أنها تسبب الادمان أو على مضارها، كما لا وجود لأي حالة وفاة متعلقة بهدا النوع. لذا، يجب أخذ الحذر من إثارة الهلع والخوف والوسوسة في نفوس الشباب اللبناني وخصوصاً في ظل الهبوط النفسي الذي يعانيه، وعدم احتساب أي عادة على أنها إدمان خطير من دون أي تنبيهات أو سلوكيات غريبة.

شارك المقال