التسامح في النفوس قبل النصوص

السيد محمد علي الحسيني

خلق الله تعالى الإنسان وجعل منه أقواماً، وشعوباً ومجتمعات، فتنوعت بذلك أفكارها ومعتقداتها، وأصبح الاختلاف أمراً حاصلاً مع هذا التنوع، لكن الجانب المظلم من الإنسان كونه يحب السيطرة بآرائه وإقصاء المخالفين له، شكل حالة من الخوف والارباك في عمق المجتمعات التي باتت تواجه حالة من الصراع بسبب حدة الأفكار وعدم معرفة التعامل مع هذا الواقع، وهنا جاءت الرسالة من السماء لرسله ليبينوا للناس أنهم خلقوا شعوباً وقبائل ليتعارفوا “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. ومن هنا شرح المولى عز وجل أن الاختلاف بين عباده هو لأجل التعارف وتبادل الخبرات والثقافات، لما فيه خير للإنسان، ولن يكون ذلك إلا من خلال نشر ثقافة التسامح وتعزیزها والتي تسمح بتقبل الآخر كما هو والانفتاح عليه.

إن ثقافة التسامح في حياتنا مهمة جداً ونحن بحاجة ماسة إلى زرعها في سلوكنا وندرك قيمتها في أعماقنا، فالشعور بالتسامح النفسي والذاتي مهم للغاية، وقبل كل شيء علينا أن نشعر بهذه القيمة العظيمة داخلنا حتى يمكن لنا أن ننشرها ونعرّف بها الآخرين. ولا في شك أن التسامح خلق إنساني وإسلامي دعت إليه كل الأديان السماوية، والاسلام ركز عليه منذ بداية الدعوة، فاعتبره أساساً ومنهجاً فيها، فقد قال سبحانه وتعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.

إن خلق التسامح يجب أن يظهر جلياً في أقوالنا وأفعالنا، فنجد أن الإسلام دعا إلى إفشاء السلام بين الجميع في سلوك يعكس التسامح اللفظي، فهو القائل سبحانه: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”. ولا شك في أن الصفح من مظاهر التسامح في الاسلام وهذا ما أكده الله تعالى في قوله: “فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون”. كما دعا إلى عتق العبيد في مظهر من مظاهر التسامح الفعلي، وإلى الإحسان والبر والقسط مع غير المسلمين في قوله: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.

وبناء عليه، تم نشر الكثير من المقالات والخطابات واطلاق المنتديات والفعاليات المطلوبة والمرغوبة التي تتعلق بالتسامح وأصبحت فعلاً ظاهرة إيجابية تتردد على الألسن وعلى المنابر وفي وسائل الاعلام، ولكننا بمناسبة يوم التسامح الدولي نحن مطالبون بتفعيل هذه القيمة أكثر حتى لا تبقى حبراً على ورق، أو تبقى أسيرة الغرف المغلقة، بل نحن مدعوون جميعاً الى التحرك لما فيه خير وفائدة مرجوة ومنفعة عملية، وعلينا أن نبدأ من أنفسنا ومحيطنا وبيئتنا، وينبغي أن نكون فاعلين على مستوى أحيائنا ومدارسنا، بل وحتى على الفضاء الافتراضي لنشر التسامح بيننا كأسلوب ومنهج حياة يساهم في تسهيل علاقاتنا مع بعضنا البعض ومع الآخرين الذين يختلفون معنا إن كان من الناحية العقائدية أو الفكرية أو مهما كان نوع الاختلاف، فالتسامح هو قيمة تقودنا إلى بر الأمن والأمان بعيداً عن كل الاضطرابات المتوقعة.


أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال