ميلاد نجمتنا العالية…

آية المصري
آية المصري

فيروز، وما أدراك من هي فيروز… أم لكل شعوب العالم، هام بعشقها الكبير والصغير، سلطن على صوتها العربي والأجنبي… ببساطة هي فيروزتنا الجميلة وسفيرتنا الى النجوم التي يصادف عيد ميلادها مع ذكرى إستقلال لبنان وتطفئ فيه شمعتها الـ87.

الأم، الأخت، الصديقة والحبيبة، هي صخرة الروشة وقلعة بعلبك. فيروزتنا اللبنانية التي نفتخر بأن أصالتها وجذورها تعود الينا، كانت البلسم لأرواحنا والراحة من همومنا ومتاعبنا. هي من جعلتنا نعشق ونشتاق الى حبيبنا “حبيتك والشوق إنقال وليلات الحلوة عالبال”، ونتفهم قلق أمهاتنا وخوفهن علينا “هيدي إمي بتعتل همي”، هي من علمت الأهالي أن أبناءهم ليسوا لهم بل أبناء الحياة، من أيقظتنا من سباتنا بأغنية “في قهوة عالمفرق”، وعلمتنا الوطنية و”الغضب الساطع آتٍ”، ومن حاكت بيروت وطالبت بعودتها “ارجعي يا بيروت بترجع الأيام”.

“اذا رح تهجرني حبيبي، ورح تنساني يا حبيبي ضل تذكرني وتذكر طريق النحل…”، غنتها فيروز ولم تدرك أن الوطن العربي بأجمعه يحبها، وأن نسيانها من سابع المستحيلات، وأن طريق النحل يأخذنا الى قلبها الدافئ وشرفات الحنين، فصوتها الملجأ لكل مُشتاق وحائر، ولكل فاقد ومحبوب.

فيروز المتألقة التي جمعت كل المواهب، من اعتلائها المسارح حيث قدمت الكثير من المسرحيات وشدت بأحلى الأغنيات، خشبة المسرح إعتادت على رونقها كما إشتاقت لخطوتها خفيفة الظل. وقفت في قلعة بعلبك وجعلت أعمدتها تهتز للمرة الأولى بقوة صوتها ودفئه، والحقيقة أن هذه القلعة لم يملأها أحد الا فيروز.

صليبا: أيقونتنا العظيمة

وصف الفنان غسان صليبا السيدة فيروز بأنها “أيقونتنا العظيمة، التي قدمت الفن الراقي والجميل الذي يمتعنا في أيامنا الصعبة والحلوة”، مؤكداً أنها “جزء من حياتنا ويومياتنا. فيروز الوطن الجميل التي غنت مع الرحابنة الذين كتبوا هذه المجموعات العظيمة من الأغاني”. وقال: “يصعب علي اختيار أغنية واحدة الأقرب الى قلبي، فكل ما غنته فيروز جميل ويشبه صوتها الرائع، وهي عظيمة بكل ما للكلمة من معنى”.

أضاف: “لطالما أحببت مسرحيات فيروز بأكملها، فخر الدين، جبال الصوّان، ميس الريم… فمسرحياتها قيمة فنية عظيمة نفتخر بها، وفيروز من الإرث الفني العظيم والذي يفتخر لبنان بها في كل أنحاء العالم، وهذا الإرث مبني على الفكر والفن الجميل والمتعة والمستوى الراقي. نتمنى لها العمر الطويل وأن تبقى الأيقونة الجميلة في هذا البلد، فهي تجمع اللبنانيين على محبتها”.

وهبي: مبدعة غدت موضع إجماع

واعتبر الشاعر والاعلامي زاهي وهبي أن “احتفال اللبنانيين بعيد ميلاد السيّدة فيروز يحمل من الدلالات ما هو أبعد من محبّة الناس العارمة لمبدعةٍ غدت موضع إجماع في بلد عز فيه الاجماع. فمثلما كان صوتها رفيقَ العُشّاق والحالمين على أسرّة الأشواق وشرفات الحنين، ظلَّ كذلك زمنَ الحروب والتقاتل. فكان أنيس الخائفين والمُستوحشين في عتم الملاجئ والخنادق، وصوت المقاومين للخراب والاحتلال على السواء، ومَن ذَا الذي ينسى (تراب الجنوب المشغول بقلوب)، و(ارجعي يا بيروت بترجع الأيام) و(الغضب الساطع آتٍ) و(بالغضب مسوَّر بلدي)، وغيرها العشرات من أغنيات ومسرحيات حفظناها عن ظهر قلب ذخيرةً لأيام آتية وتميمة طاردة للقنوط والكآبة”.

وأشار الى أن “ما اكتظتْ به وسائل التواصل والميديا الحديثة في ذكرى ميلادها الحادي والثمانين لا يؤكّد المكانة الراسخة لفيروز في الوجدان الجمعي وحسب، بل يثبت مرة أخرى أن الفنَّ الحقيقي يحفر عميقاً في تُربة الوعي لأنه خير مُعبِّر عن الإنسان ومكنوناته. المكنونات التي تتمازج فيها المشاعر والأحاسيس، من حال وجدٍ بين حبيبين إلى حال عشق بين مقاوم وتراب بلاده، وسواها من حالات روحية وشعورية ونفسية حملتها حُنجرة فيروز وحلَّقت بها في الأعالي أو غاصت بها إلى الأعماق”، مؤكداً أن “احتفال اللبنانيين بنجمتهم العالية ليس سوى تأكيد إضافي على أن الفن ليس ترفاً ولا من الكماليات ولا مُجرّد شهرة فارغة وأضواء زائلة، إنما هو مكون عضويٌّ من مكوِّنات الوجود الانساني”.

ورأى وهبي أن “ما غنّته السيّدة فيروز وأنشدته على مدار عمر من التوهّج والعطاء لم يكن غناءً عادياً من ذاك الذي يمرّ مرور الكرام، بل كان حفراً في الوعي وتأسيساً للوجدان وترسيخاً لقيم سامية نبيلة وإعلاءً لشأن الحُب والحرية والعدالة والثورة والمقاومة والحق المشروع في استعادة الأرض من المُحتل الغاصب، ولا يظنن أحدٌ أن صوت فيروز مجرد حامِل أو ناقل لما غنت صاحبته، بل إنه شريك في إعادة صوغه وتقديمه بصورة آسرة نفاذة، تماماً كإيمان صاحبته بما غنت وقدمت على مسرح عمرٍ لم تكن دروبه دائماً مُعبدة بالورود، بل أحياناً كثيرة بالأشواك”.

فيروز الوطن الدافئ والحضن المليء بالحب والشغف، الشامخة كأرزتنا والتي يجمع على حبها الجميع في مختلف أنحاء العالم. صحيح أن من سابع المستحيلات أن يتفق اللبنانيون على شخصية لكنهم اتفقوا بالفعل على حب هذه الأيقونة، التي نتمنى لها في عيدها العمر الطويل، كل عام وأنت بألف خير…

شارك المقال