رحيل “الشلال” روميو لحود ملتحقاً بـ “بنت الجبل”

زياد سامي عيتاني

غيّب الموت الفنان المبدع روميو لحود بعد مسيرة فنية طويلة، سعى خلالها إلى إحياء التراث والفولكلور اللبناني وتطويره، عبر تقديمه مادة فنية راقية من خلال العروض المسرحية والرقصات الموسيقية الفولكلورية، التي ما زالت مطبوعة في ذاكرة اللبنانيين والعرب لغاية الآن.

برز الفنان المبدع خلال مسيرته الفنية، منتجاً ومخرجاً ومؤلفاً وملحناً لعشرات المهرجانات الكبرى، والاستعراضات الغنائية. وبسبب مكانته الفنية وأعماله التي حرص على أن يقدم من خلالها التزاوج بين الأصالة والحداثة، نستعرض جوانب من حياته ومسيرته الفنية:

دراسة هندسة الديكور:

ولد روميو لحود في بلدة حبالين في قضاء جبيل عام 1939، تزوج من السيدة ليليان بولان وله منها إبنتان، ثم تزوج ثانية بعد وفاة زوجته من السيدة الكسندرا قطريب.

تلقى علومه الابتدائية في مدرسة القدّيس يوسف في عينطورة، ثم تابع دروسه الجامعية في جامعة “موزار” في باريس – فرنسا، وحاز في العام 1954 على إجازة في هندسة الديكور، وقام بوضع ديكورات لعدد من أكبر المحال والبيوت في بيروت والضواحي.

دراسة “سينوغرافيا” المسرح:

دفعه عشقه للمسرح وللأوبرا إلى متابعة الدروس في علم المسرح أو ما يسمى بـ “سينوغرافي ميكانيك” في معهد “مونتكامودزو” في إيطاليا، وهذا العلم يركّز على درس خشبة المسرح، نوعيتها وسماكتها، وايجاد الحلول لمشكلات المسرح كافة.

أثناء متابعته هذه الدراسة، بدأ بالعمل الفعلي في إنشاء المسارح، وتجهيزها، وتأمين كل ما تتطلب من معدات وغيرها.

أول أوبرا في لبنان:

في سنة 1955، تقرر إنشاء مفوضية السياحة والاصطياف، فطلب منه ميشال توما إقامة مهرجانات السياحة في بيروت، التي لم يكن فيها أثناء ذلك مسرح يستوعب الفرق والفنانين، فشيّد مسرح “الأونيسكو” لتقدم عليه لأول مرة الأوبرا في لبنان.

رحلته الابداعية مع مهراجانات بعلبك:

بدأت رحلته الابداعية فعلياً سنة 1964، عندما طلبت منه جمعية مهرجانات بعلبك، إعداد أوبريت غنائية ضمن إطار برنامجها “ليالي لبنان”، فقدّم “الشلال” بنسق جديد، وانهالت عليه الانتقادات، ومن كانوا وراءها عادوا واتبعوا طريقته!. فكانت “الشلال” بمثابة الخطوة الأولى في رحلة سنينه الفنية والابداعية، على الرغم من أن دوره إقتصر على الإشراف فقط.

تأسيس المسرح الدائم:

بعدها قرر روميو أن يقدم أعمالاً خاصة به، من خلال إنشاء فرقة ضمت العديد من الأسماء، وكذلك إطلاق أول مسرح دائم في لبنان، حيث إختار فندق “فينيسيا” مكاناً له. وحملت الفرقة إسم “فرقة موال لمسرح فينيسيا”، فكان جوزيف عازار وسمير يزبك وعصام رجي أبرز أصواتها، وكيغام وناديا جمال بطلي الرقص الافرادي.

وقدّمت الفرقة على مسرح “فينيسيا” في ربيع عام 1965 مسرحية “موّال”، أوّل البرامج الفولكلورية اللبنانية، بحيث افتتحت عروضها بقصيدة جبران “أيها الشحرور غرّد”، تلحين وليد غلمية، وغناء عصام رجي.

بعدها، إستعاد روميو في “أحلام الأرز” لوحات قدمها في “موّال”، وقدّمها ضمن قصة وضعتها شقيقته ألين. كتب موريس عواد الحوار والأغاني، وشارك يونس الابن في تأليف أغنيتين، وأشرف بيرج فازيليان على الاخراج، وصمّم الرقصات سركيس باسكاليان.

بعد “موّال”، قدّم روميو على مسرح “فينيسيا” أيضاً “ميجانا”، وساهم زكي ناصيف في تلحين هذا الاستعراض الذي لمعت فيه صباح كضيفة شرف. وتابع هذه المسيرة، وقدّم في سنة 1967 إستعراض “عتابا”، وكان مشتملاً، إلى جانب الفن الشعبي اللبناني، على مشهد من البادية يظهر التقاليد العربية العريقة بأبهى مظاهرها، كما ضمّ مشهداً جرت أحداثه تحت البحر، وذلك بواسطة التفنن في الديكور.

بروز روميو المؤلف والملحن:

في ذلك العام أي 1967، أعلنت مهرجانات بعلبك عن مسرحية من إعداد روميو لحود وبطولة صباح عنوانها “القلعة”، لكن هذا العرض تأجل بسبب حرب الـ 1967، واستعيض عنه بحفل منوعات أعدّه روميو، لتقدّم “القلعة” في العام التالي. وفي هذا العمل، ظهر إسم روميو كمؤلف وملحن، فكانت “يا مسافر وقف عالدرب” من تأليفه وتلحينه، و”قديش قضينا سوا” من تأليفه وتلحينه بالمشاركة مع وليد غليمة، و”قلعة كبيرة وقلبها كبير” و”مش عيب تكذب” من تأليفه وتلحين وليد غلمية، و”مش كل السني” من تلحينه وتأليف موريس عواد.

واصل روميو مشواره مع صباح بعد “القلعة”، وقدّم معها عدة إستعراضات خارج لبنان.

إفلاسه وخلافه مع غلمية:

على الرغم من هذا العمل المتواصل، إضطر روميو إلى ترك مسرح “فينيسيا” في شباط 1969 بعد أن قضت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت بإعلان إفلاسه.

في هذه الحقبة، نشب الخلاف بينه وبين رفيق دربه وليد غلمية، الذي قال انه كان يستشير روميو في بعض الألحان التي كان يعدها للمهرجانات التي تعاون فيها معه، وكان لحن “يا مسافر وقف عالدرب” أحد هذا الألحان.

إستكمال التعاون مع صباح:

بعد هذه الأزمة، واصل روميو عمله مع صباح وقدّم معها “فينيقيا 80” على مسرح “المارتينيز” في بيروت، وفي هذه المسرحية لعبت الشحرورة دور سفيرة أميركا التي تقع في غرام سفير روسيا جوزيف عازار.

ظهر الممثلون في هذا العمل على المسرح في أزياء شعبية تقليدية، وظهر البعض الآخر في أزياء “مستقبلية” مستوحاة من قصص ومسلسلات “الخيال العلمي”، وذلك في “كوكتيل” عجيب من نوعه، وأطلت صباح تباعاً بشورت مطرز بالخرز، وشورت من الجلد، ومعطف ماكسي من الفراء الأبيض، وبيجاما من اللون الأبيض عارية الظهر، مكشوفة الصدر، تحوّلت سريعاً إلى حديث البلد.

بهذا “الكوكتيل” العجيب، عاد روميو مع نجمته إلى بعلبك، وقدّم “المهرجان” وخلط فيه الحابل بالنابل، وإستعاد معركة إستقلال لبنان، وعلّق مشانق الشهداء على خشبة المسرح. وقدمت أغنيات من كلمات عمر أبو ريشة “أنت يا لبنان”، كما حيّت فلسطين وغنت لصلاح الدين الأيوبي “يا فاتح القدس” على لحن “يا مريم البكر”، وظهرت في شورت مبتكر جديد شكّل إمتداداً لاطلالتها في “المارتينيز”.

بعدها، حضرت صباح في مسرحية “الفنون جنون” سنة 1973، واقتصرت مشاركة روميو في هذا العمل على تأليف وتلحين بضعة أغان لصباح وجوزيف عازار وملحم بركات. وشكلت المسرحية نهاية للشراكة الطويلة بين روميو وصباح التي دامت عشر سنوات.

تبني سلوى القطريب:

في العام التالي، تبنى روميو سلوى القطريب، وقدّمها في “سنكف سنكف”، وشكل هذا التعاون بداية لسلسلة طويلة من المسرحيات عُرضت خلال سنوات الحرب اللبنانية. على مسرح “الايليزيه”، قدّم روميو مع سلوى “بنت الجبل”، “اسمك بقلبي”، “أوكسيجين”، “ياسمين”، “حكاية أمل”، و”الحلم الثالث”، كما قدّم معها “سوبر ستار” على مسرح “كازينو لبنان” سنة 1982، و”ليالي لبنان” في مهرجان جرش 1987، ومهرجانات جبيل 1988.

مشاركاته الخارجية:

في العام 1969 دعي لتقديم عروضه في صالة “أولمبيا”، حيث قدّمت له “جمعية جنيف الدولية” جائزة “بروموسيون إي بريستيج” (Promotion et Prestige)، الخاصة بالفنون المسرحية المرادفة لجائزة نوبل.

وكان المخرج العربي الوحيد الذي دعي إلى حفل تتويج شاه ايران، كما إنفرد في الذهاب إلى بروكسل بدعوة من البلاط الملكي، ليقدّم حفلة في “مسرح الفنون الجميلة” (Grand Théâtre Des Beaux Arts). بعد ذلك قام بجولة دامت خمسة عشر يوماً، شملت كبريات المدن البلجيكية.

وعلى مدى ثلاث سنوات متتالية 98 – 69 – 70 لبّى روميو دعوات الشباب الموسيقيين الفرنسيين (Jeunesses Musicales de France) وجال في كل أنحاء فرنسا، مقدّماً استعراضه الفني “ميجانا”.

وكان سبق ذلك جولات عدة قام بها في العراق والكويت والأردن، حيث نال ميدالية مهرجان جرش للعمل الفني الكبير “ليالي لبنان”.

ومع رحيل الفنانة سلوى القطريب في التسعينيات، تقلص نتاج روميو وتراجع، واقتصرت أعماله على إستعادة بعض أعماله القديمة وعرضها.

شارك المقال