صراع الارادات قديم أم حديث؟

السيد محمد علي الحسيني

هناك تساؤل كثيراً ما يطرح عما إذا كان ما نشهده اليوم من صراعات على كل شيء مستجداً أو قديماً، ولا شك في أنه صراع قديم، فمنذ أن خلق الله تعالى آدم وحواء بدأ الصراع أولاً بين الطاعة والمعصية والقبول والرفض، وبدا ذلك ظاهراً عندما أمر الله تعالى الملائكة أن يسجدوا لآدم فأطاع الجميع أمر الله وخضعوا له إلا إبليس تجبر وتكبر ورفض وعصاه “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر”، إضافة إلى صراعات أخرى، كصراع العنف الدموي مع اللاعنف الانساني، والشاهد على كلامنا قصة جريمة قابيل ووحشيته وعنفه الدموي وقتله لأخيه هابيل التقي، النقي، أيقونة مبدأ اللاعنف بقوله: “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين”.

وماذا بعد هذه الصراعات؟

هناك صراع العلم والمحاججة مع الجهل والسفسطة والنور مع الظلام، وموضع الشاهد هنا ما جرى مع أب الأنبياء إبراهيم لما رأى كوكباً ثم القمر ثم الشمس أدرك أن ربه هو من خلق هذا كله ومحاججته لقومه، فقال تعالى: “فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.

كما نؤكد على صراع آخر وهو صراع الشيطان ووسوسته للإنسان والحسد والحقد والافتراء كقصة إخوة يوسف وصراع الكذب والصدق والظلم والعدل بين يوسف وامرأة العزيز زليخا، وما جرى من صراع بين فرعون المتجبر الظالم الطاغي وموسى كلمة الله وإرادته وصراع الايمان والكفر الذي تجسد في قصة أصحاب الكهف وصراع الوحشية مع رسول الأخلاق والانسانية محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) حتى انتصر على الأجلاف ونشر دين الله بأخلاقه فاستحق مدحه: “إنك على خلق عظيم”.

مما سبق قوله فإن الحياة الدنيا منذ بدايتها هي صراعات قديمة، كصراع الطاعة مع المعصية، وصراع الكفر والإيمان، وصراع الخير مع الشر، وصراع العلم مع الجهل، واللاعنف مع العنف، وصراع الحق مع الباطل، والعدل مع الظلم الخ… نعم، إنه صراع الارادات، ووحده الإنسان بوعيه وإيمانه وضميره يحدد أي طريق يسلكه وفي أي طرف يكون.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال