غلاء الاستشفاء ينعش الطب البديل

جنى غلاييني

تسبّب الانهيار الاقتصادي المستمر في لبنان ومعدلات التضخم المرتفعة الى معاناة اللبنانيين على مختلف الأصعدة ولاسيما الصعيد الصحي، ما اضطر الكثيرين وهم من غير القادرين على الوصول إلى نظام الرعاية الصحية الكافية، للجوء الى الطب البديل. فالعالم أجمع يتطوّر ويتقدم بسرعة كبيرة إلّا لبنان يرجع 100 سنة الى الوراء، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسائل الصحة الشاملة، في ضوء النقص الطبي وارتفاع تكاليف المستشفيات وكشفية معظم الأطباء، ما أعاده الى استخدام التعاليم القديمة والأساليب التقليدية بما في ذلك العلاج بالأعشاب أكثر من الطب الحديث، والتي تختلف في النوع والسعر.

ما هو الطب البديل؟

الطب البديل بحسب المعترف به في منطقة الشرق الأوسط هو مزيج من العلاجات الاسلامية والصينية والأيروفيدية، وفي لبنان هي عبارة عن أعشاب أو مزيج من الأعشاب والتوابل والزيوت الطبيعية، فضلاً عن العلاجات الجسدية مثل الحجامة والشفاء بالطاقة والوخز بالابر لعلاج الأمراض.

الطب الصيني

هو شكل من أشكال الطب الطبيعي عمره 5000 عام، له ثلاثة جوانب: الوخز بالإبر، والأدوية العشبية، وشفاء الطاقة…

يُعرَّف الوخز بالإبر بأنه شكل من أشكال الطب الصيني القديم الذي يتم فيه إدخال إبر رفيعة في الجلد في نقاط معينة من الجسم، وقد أصبح منتشراً على نطاق واسع على مستوى العالم. ويستخدم الوخز بالإبر بصورة أساسية لعلاج الحالات المزمنة مثل الأوجاع في الجسم أو مشكلات الجهاز الهضمي. وفي لبنان، يعتبر الوخز بالإبر الجانب الأكثر ممارسة في الطب الصيني التقليدي، واليوم تزداد أهمية وجوده لما يوفّره على المواطن اللبناني من تكاليف.

الحجامة

العلاج بالحجامة هو تقنية طبية تقليدية منذ آلاف السنين ويحظى بشعبية كبيرة في لبنان، وتطور استخدام الحجامة اليوم على نطاق واسع لتخفيف الآلام والإصابات في العضلات والعظام مثل الاجهاد والالتواء وإصابات الظهر والالتهابات.

وبحسب ما تقول معالجة متخصصّة في الحجامة لـ”لبنان الكبير” إنّ الطلب على جلسات الحجامة يزداد يوماً بعد يوم من الرجال والنساء معاً، مشيرة الى أن “الناس باتوا اليوم غير قادرين على إجراء فحوص طبية شاملة للتأكّد من صحتهم، كما هو واضح في البلد حتّى أن اهتمام المواطن بصحته تكلّفه صحته! فلجأ الكثيرون منهم الى الطب البديل وخصوصاً الحجامة لما لها من فوائد في التخفيف من آلام المواطن والتوفير على جيبته اذ أن تكلفة الجلسة الواحدة حوالي بين ثلاثين الى أربعين دولاراً فقط”.

جنان شابة في الثلاثين من عمرها وتعاني من أوجاع في الظهر، تروي تجربتها مع الطب البديل بعد محاولات عدة لتأمين المبلغ المطلوب لزيارة الأطباء وشراء الأدوية اللازمة: “أعاني من أوجاع مزمنة في ظهري وفي كل مرّة أزور فيها طبيبي أدفع حوالي 500 ألف ليرة باستثناء فاتورة الأدوية، لذا وبعد نصيحة تلقيتها من أوساط طبية لجأت الى اعتماد جلسات علاج الحجامة كل شهر ونصف الشهر، وحتى الآن أشعر بتحسن كبير ولا أزال مواظبة على القيام بها”.

الأعشاب الطبيعية

في كل بيت لبناني هذا العلاج شائع باستخدام بذور النبات أو التوت أو الجذور أو الأوراق أو اللحاء أو الزهور للأغراض الطبية. ونجد تلك الأعشاب في محال “دبوس” التي لديها فروع في كل المناطق اللبنانية. وفي حديث مع أحد أصحابها، أوضح أن “النقص الدائم في الأدوية وارتفاع أسعارها بعد رفع الدعم عنها جعلت اللبنانيين في حالة من الخوف، وشهدت محال دبوس إقبالاً كبيراً منذ الأزمة حتى اليوم من الناس التي تبحث عن طرق بديلة للأدوية وتخفف أعراض أمراضهم”.

ولفت الى أن “كل من يعاني من ضغط وسكّري أصبح يلجأ الى الطب البديل ويختار تجربة الأعشاب الطبيعية علّها تفيده بدلاً من الأدوية، وأكثر الأمراض التي يطلبون لها خلطة عشبية حالياً هي الكريب الذي ترافقه حرارة قوية وسعال وبلغم وآلام في الحلق”.

يشرح زياد، وهو رب أسرة، وضعه الحالي بعجزه عن أخذ ابنه المريض الى العيادات الطبية التي تكلّف زيارتها أكثر من 500 ألف ليرة، فوجد أن أفضل بديل يمكن أن يفعله لمساعدته هو طب الأعشاب، وبعد استشارته صيدلانياً في هذا الأمر، لجأ زياد الى أقرب محل “دبوس”، طالباً خلطة من أنواع الأعشاب للتقليل من آلام طفله، وهذا ما يمنحه نافذة لتأمين المال اللازم لأخذ ابنه الى عيادات متخصصة.

وسط انهيار اقتصادي لا سابق له أدى إلى انخفاض الليرة اللبنانية بأكثر من 95٪ من قيمتها ومنع الناس من الحصول على ودائعهم في البنوك، أجبروا على التوقف عن إجراء فحوصهم السنوية أو دخول المستشفيات أو حتى قسم الطوارئ لما قد يكلّفهم من أموال لا يستطيعون تأمينها ولا حتّى بأربعة رواتب، فأهملت زيارات الأطباء وشراء الوصفات الطبية من الصيدليات وأعاد اللبنانيون اهتمامهم الى الطب البديل الأوفر والأحسن بالنسبة اليهم مادياً وربما صحياً.

شارك المقال