الأخلاق الرياضية والقيم الانسانية

السيد محمد علي الحسيني

يتابع العالم هذه الأيام الحدث الكروي الذي يتكرر كل أربع سنوات، لينقل لنا المنافسة التي تجري بين فرق متنوعة ومن مختلف الدول، يطمح كل واحد منها الى الفوز ببطولة كأس العالم لكرة القدم، ولا شك في أن الأخيرة تعد من بين أهم الرياضات العالمية التي لها جمهورها ومشجعوها. والجميع عبر مختلف الأماكن يشاهدون مباريات كأس العام بحماس وشغف، لما لها من تأثير على القلوب، فتجدهم كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً أمام شاشات التلفزيون في البيوت والمقاهي والأماكن العامة يشجعون هذا الفريق أو ذاك، وتجدهم في البيت الواحد منقسمين كل يشجع فريقه المفضل، فمنهم من يفضل الفرق العربية ومنهم الأوفياء لألمانيا ومنهم للبرازیل، ومنهم من يشجع فريقاً على حسب اللاعبين كما الحال مع ليونيل ميسي الأرجنتيني، وكريستيانو رونالدو البرتغالي.

ومن الأمور التي شدت انتباهنا ولا بد من الاشارة إليها لما لها من دلالات عميقة، أن بطولة كأس العالم لكرة القدم التي يشارك فيها الكثير من الفرق من مختلف القارات والألوان والقوميات واللغات، لم تعد مجرد بطولة رياضية، بل أصبحت تشكل تظاهرة رياضية منقطعة النظير وحدت العالم بتنوعه وتعدده واختلافه، فكل الفرق جاءت لتقدم مهاراتها ويتعرف العالم الى بلدانها مصداقاً لقول الله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، بل إن ملاعب كرة القدم جمعت حتى بين فرق دولها تتواجه سياسياً وإيديولوجياً، لكن ذلك لم يؤثر أبداً على الروح الرياضية للاعبين، الذين لا يكترثون بتلك الصراعات التي لا أفق لها ولا أمل يرتجى، فالرياضة وحدها جمعت ما فرّقته السياسة.

وإن الأهم هنا عندما نتحدث عن هذه المنافسة نجدها تنبض بالأخلاقيات العالية التي تبدو واضحة، وعلى الرغم من أن الجميع يصبو الى الظفر بالبطولة والكأس، إلا أن ذلك لم يؤثر على الروح الرياضية العالية التي كان واضحاً أنها هي اللغة التي يتقاسمها المتنافسون على أرضية الميدان، فجميعنا شاهدنا الأجواء الأخوية وروح التسامح التي تميزت بها المباريات من خلال سلوك الفرق وتصرفها أثناء كل مباراة ونهايتها، على الرغم من الضغوط والنتائج التي أحياناً ما تكون ثقيلة، لكننا عندنا نرى المصافحة والعناق بين المتنافسين عند نهاية المباراة فهذه أخلاقيات نبيلة تترسخ لدى الجو العام للاعبين، كما تنعكس إيجاباً على متابعي هذه الرياضة الشعبية والعالمية ومحبيها.

إن الأخلاقية الرياضية العالية التي رأيناها هذه المرة في ملاعب كرة القدم تجعلنا نطمح الى أن نرتقي بسلوكنا وأقوالنا في حياتنا اليومية وأن نبتعد عن أجواء الخصومة والحقد والكراهية، بل نأمل أن نتعامل بروح أخلاقية قائمة على المحبة والتسامح وعلى الأخوة الانسانية وحب الخير لبعضنا البعض مهما كانت اختلافاتنا، ولنكن كما قال تعالى: “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا”.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال