هل سيتحول الهاتف المحمول إلى “هجنة”؟

راما الجراح

لا حياة طبيعية في كل العالم من دون هاتف محمول، كان يعتبر من الكماليات، لكن أصبح وجوده أساسياً اليوم، وشكل بديلاً ذكياً للكومبيوتر النقّال، وبات يُستخدم كوسيلة للتعليم والعمل في ظل أزمة كورونا التي ضربت العالم بأسره وشلّت حركته، أما في لبنان، فيبدو أن مساره سينحرف إلى خارج هذا الكوكب، ليس تخلفاً ولا جهلاً بالتكنولوجيا، بل فساد خرج عن المألوف، وبدأ يُعسِّر الطريق إلى امتلاك هذه التكنولوجيا والاستفادة منها. فبينما يتمتع معظم سكّان الأرض بهذه الوسيلة وبأسعار جيدة، باتت اليوم عبئاً كبيراً على اللبناني، والسبب الرئيسي لا يخفى على أحد وهو ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

البقاء دون المحمول جنون

“كان صرلي أربعة أيام بلا تلفون، جنيت”. بهذه الجملة اختصر عُدي حالته، وهو مواطن لبناني سقط هاتفه في الماء، موضحاً لـــ”لبنان الكبير”: “تكلفة صيانة هاتفي تصل إلى ١٠٠ دولار أميركي، لأنه سقط في الماء ويحتاج إلى تغيير الشاشة وبالتالي صيانة السماعات. لم يكن بوسعي سوى انتظار نزول راتبي في حسابي المصرفي نهاية شهر أيار الماضي والذي يساوي مليون و٤٥٠ ألف ل.ل لصيانته، ولولا أنني مضطر لاستعماله نظراً لطبيعة عملي، لما قمت بصيانته في الوقت الحالي”.

بين التشريج والتصليح

وبحسب صاحب محل “Zain Cell” في منطقة البقاع الغربي، فإن “أصحاب محال بيع الهواتف يعانون من الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان كما غيرهم من القطاعات، سواء من معاناة التاجر أو الزبائن والظلم الذي يلحق بالطرفين، وبلمحة سريعة عن بطاقة التشريج أو “كارت” التشريج أصبح سعره اليوم يساوي ٣ دولارات تقريباً، وعلى زمن سعر صرف الدولار على الـــ ١٥٠٠ ل.ل كانت نسبة الربح تصل إلى ١٥٠٠ ل. ل في الكرت الواحد، والربح نفسه موجود اليوم، لكن المفارقة أننا نحتاج غلى بيع ٩ بطاقات تشريج حتى يساوي الربح دولاراً واحداً”!

أما بالنسبة لصيانة الهواتف، فقال لـــ”لبنان الكبير”: “بشكل عام كانت كلفة تغيير شاشة أي هاتف تبدأ من ٣٠ دولاراً ما عدا أجرة الموظف الذي سيقوم بتبديلها والتي كانت تصل إلى ١٠ دولارات في أغلب الأحيان، أما اليوم وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، لن يستطع أي مواطن تقبُّل زيادة الـ ١٠ دولارات على تغيير الشاشة، وبات الموضوع يقتصر في أغلب الأحيان على “وان دولار” مقابل صيانة الشاشة، وهذا الوضع كارثي. ولكن ما باليد حيلة إلا الوقوف إلى جانب بعض ومساندة بعضنا في هذه المحنة وإلا سنخسر مصالحنا وأشغالنا”!

التعليم والبدائل الرخيصة

المعاناة مع الدولار ازدادت سوءاً في ظل أزمة كورونا والتعليم أونلاين، وقد تجاوز اليوم سعر صرف الدولار في السوق السوداء الـ ١٢٨٥٠ ل.ل للدولار الواحد، ويراوح ما بين ١٢٨٠٠ و١٣٠٠٠ ل.ل. في هذا الخصوص، أشار إلى أن “التعليم أونلاين أدى إلى ازدياد نسب صيانة الهواتف عند الجميع واضطرار البعض إلى شراء هواتف جديدة بسبب عدم توفر هاتف بديل في المنزل للأونلاين، وأود لفت النظر إلى أنني واجهت حالات نسبتها لا يستهان بها اضطرت إلى البقاء من دون هاتف بسبب كلفة صيانته لفترات تصل إلى شهر أو أكثر، وتوقف أولادهم عن التعلم أونلاين طيلة هذه الفترة، إلى أن استطاعوا تأمين المبلغ”.

تعتبر مصلحة الهواتف الذكية الوحيدة التي لم يتنمر عليها أحد، لأنها مستوردة من الخارج. واوضح “منذ بداية الأزمة أوقفت جميع الشركات جميع معاملاتها معنا بالليرة اللبنانية، وهذا الأمر الذي جعلنا نتكبد خسائر شبه يومية بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار من يوم إلى آخر. وتتراوح أسعار الهواتف الجديدة من ١٠٠ دولار إلى ١٧٠٠ دولار، مشيراً إلى أنه “اعتدنا في لبنان على شركات “سامسونغ”، “هواوي” و “آبل”، ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية تشجعت عدة شركات للدخول إلى السوق منها “تيكنو”، “انفينكس”، “آي تل” وغيرها، وجميعها تقدم مواصفات شبيهة بمواصفات السامسونغ ولكن بأسعار أرخص بنسبة تصل إلى ٥٠٪، واعتبرت هذه الشركات بديلاً مهماً لأغلب اللبنانيين”.

أما بالنسبة إلى تهريب الهواتف من لبنان إلى سوريا، فأكد أصحاب المحال أنه “لم يتوقف لا قبل الأزمة ولا خلالها، وبطبيعة الحال ينعكس الأمر سلباً على المصلحة بطرق مباشرة وغير مباشرة”.

الشركات الصينية وزيادة الأسعار 60%

بدوره، افاد صاحب محل “Max phone” في البقاع الأوسط أن “نسبة بيع الهواتف تراجعت تدريجياً، وبالتالي انعدمت تقريباً نسبة الطلب على تغيير شاشات هواتف السامسونغ في البقاع، حيث وصلت أسعار بعضها إلى ١٠٠ دولار، وهناك فئة من الناس أصبحت تفضل انتظار شراء هاتف جديد عندما يتوفر المبلغ في جيبهم بدل صيانته. ومن ناحية أخرى ازداد الطلب على الهواتف التي تصل تغيير شاشتها في حال انكسرت إلى حدود ٣٠ دولاراً فقط، ومما لا شك فيه أن الأرباح انخفضت والقدرة الشرائية تراجعت بشكل كبير”.

وعن عدم توفر البضاعة في الأسواق، أجاب: “واجهنا عدة مشكلات بسبب أزمة كورونا، فقد أغلقت أغلب الشركات الصينية أبوابها وأصبحنا نواجه نقصاً كبيراً في البضاعة المطلوبة، وبعد فترة أصبحت متوفرة ولكن بكميات قليلة، ومن ثم ارتفعت الأسعار بشكل جنوني حتى وصلت إلى نسبة ٦٠٪”.

أحاديث معاناة اللبناني والصعوبات التي يواجهها يومياً على مختلف الأصعدة تطرح أسئلة مرعبة عن واقع الحال، فهل سيتحول الهاتف المحمول إلى “هجنة” لمن يستطيع شراءه؟ مَن يستغرب عودتنا إلى أيام العصر الحجري في زمن يتماشى مع التكنولوجيا والتقدم بسبب الفساد؟ هل يوجد مَن يتجرأ على الإجابة وتقرير مصير أكثر من ٥ ملايين مقيم على الأراضي اللبنانية؟ أم أنه لا داعي للجرأة، سبق وبُشّرنا بجهنم!.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً