كورونا: أدمغة المراهقين وخطر الشيخوخة المبكرة

حسناء بو حرفوش

لفتت دراسة جديدة في مجلة Biological Psychiatry: Global Open Science الى “ظهور علامات الشيخوخة المبكرة على أدمغة المراهقين بفعل الضغوط المرتبطة بوباء كورونا”. ووفقاً للدراسة، “تحدث التغييرات في بنية الدماغ بصورة طبيعية مع تقدمنا في السن. ومع ذلك، تشير النتائج الجديدة إلى أن الآثار النفسية والعصبية لوباء كورونا ربما كانت أسوأ على المراهقين”.

ويرى الباحثون الذين قاموا بالدراسة أن “التغيرات الجسدية التي تحدث في مرحلة المراهقة، أصبحت أكثر أهمية بعد الجائحة”، ويخلصون إلى أن الدماغ قد تقدم في العمر بصورة أسرع. “وخلال فترة البلوغ وسنوات المراهقة المبكرة، تشهد أجسام الأطفال نمواً متزايداً في كل من الحُصين واللوزة الدماغية، وهي مناطق من الدماغ تتحكم على التوالي بالوصول إلى ذكريات معينة وتساعد على تعديل المشاعر. ولكن في الوقت نفسه، تصبح أنسجة القشرة (في المنطقة التي تشارك في الوظائف التنفيذية) أرق.

وكيف ترتبط الصحة النفسية بالتغيرات المبكرة في الدماغ؟ تحدث التغيرات في بنية الدماغ بصورة طبيعية مع تقدمنا في العمر.

ومع ذلك، تشير النتائج الجديدة إلى أن آثار الوباء على الصحة العصبية والعقلية على المراهقين ربما كانت أسوأ. ويؤكد إيان غوتليب، من جامعة ستانفورد: “نعلم بالفعل من الأبحاث العالمية أن الوباء قد أثر سلباً على الصحة العقلية لدى الشباب، لكننا لم نعرف بالضبط تأثيره على أدمغتهم. وحتى الآن، ظهرت هذه الأنواع من التغييرات المتسارعة في (عمر الدماغ) فقط لدى الأطفال الذين عانوا من محنة مزمنة، سواء بسبب العنف أو الاهمال أو الخلل الوظيفي الأسري أو مجموعة من العوامل المتعددة”.

وعلى الرغم من أن هذه التجارب ترتبط بنتائج سيئة على الصحة العقلية في وقت لاحق من الحياة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت التغييرات في بنية الدماغ التي لاحظها فريق ستانفورد مرتبطة بالتغيرات في الصحة العقلية، كما أشار غوتليب. “بالنسبة الى شخص يبلغ 70 أو 80 عاماً، تتوقع بعض المشكلات المعرفية والذاكرة بناءً على التغيرات في الدماغ، ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة الى شخص يبلغ 16 عاماً إذا تقدم الدماغ في العمر قبل الأوان؟”. ويشير زميله في البحث جوناس ميلر، من جامعة كونيتيكت في الولايات المتحدة، إلى أن “المراهقة هي بالفعل فترة إعادة تنظيم سريعة في الدماغ، وهي مرتبطة بزيادة معدلات مشكلات الصحة العقلية والاكتئاب وسلوك المخاطرة”.

أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: “هل هذه التغييرات دائمة؟”. يقول غوتليب، وهو أيضاً مدير مختبر ستانفورد للنمو العصبي والتأثير والاضطرابات النفسية: “ليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت التغييرات دائمة. لكن إذا ظل دماغهم أكبر سناً من عمره الزمني بصورة دائمة، من غير الواضح ما ستكون عليه النتائج في المستقبل”.

وأجريت الدراسة من خلال مقارنة فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي من مجموعة مكونة من 163 طفلاً، قبل الجائحة وأثناءها، وأظهرت دراسة غوتليب أن هذه العملية التنموية تسارعت لدى المراهقين خلال تعرضهم لفترة الاغلاق بسبب كورونا.

وقبل الوباء، جند المختبر مجموعة من الأطفال والمراهقين من جميع أنحاء منطقة خليج سان فرانسيسكو للمشاركة في دراسة طويلة الأمد حول الاكتئاب أثناء البلوغ، ولكن عندما تفشى الوباء، لم يتمكن من إجراء فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي المجدولة بانتظام. وبمجرد أن تمكن غوتليب من مواصلة عمليات مسح الدماغ من جماعته، كانت الدراسة متأخرة عاماً عن الجدول الزمني. في ظل الظروف العادية، سيكون من الممكن تصحيح التأخير إحصائياً أثناء تحليل بيانات الدراسة، لكن الوباء ليس بالحدث العادي.

وأضاف غوتليب: “تعمل هذه التقنية فقط إذا افترضت أن أدمغة الأطفال في سن 16 عاماً هي أدمغة الأطفال نفسها في سن 16 عاماً قبل الوباء في ما يتعلق بسماكة القشرة وحجم الحصين واللوزة. وبعد النظر إلى بياناتنا، أدركنا أنها ليست كذلك. ومقارنة بالمراهقين الذين خضعوا للتقويم قبل الوباء، لم يواجه أولئك الذين تم تقويمهم بعد نهاية الوباء، مشكلات صحية عقلية داخلية أكثر حدة فقط، ولكن لوحظ أيضاً الانخفاض في سماكة القشرة وحجم الحصين واللوزة، وعمر الدماغ الأكثر تقدماً”.

ولم تصمم الدراسة في الأصل للنظر في تأثير كورونا على بنية الدماغ. وقد تترك هذه النتائج آثاراً كبيرة على الدراسات الطولية الأخرى التي امتدت عبر الوباء. ففي حال أظهر الأطفال الذين عانوا من الوباء تطوراً متسارعاً في أدمغتهم، سيتعين على العلماء حساب هذا المعدل غير الطبيعي للنمو في أي بحث مستقبلي يشمل هذا الجيل. “الوباء ظاهرة عالمية لم توفر أحداً كما قال غوتليب. لا توجد مجموعة تحكم حقيقية”. وبدوره، يضيف ميلر أن هذه النتائج قد تترك عواقب وخيمة على جيل كامل من المراهقين في وقت لاحق من الحياة: “هذا الحدث العالمي الذي ترك نوعاً من الاضطراب في الروتين اليومي للمراهقين، لا يمكن مقارنته بوضع نظراء هؤلاء المراهقين قبل بضع سنوات فقط”.

شارك المقال