من أستاذ جامعي إلى ناطور… نداء أخير لانقاذ “اللبنانية”

راما الجراح

تداول عدد كبير من رواد التواصل الاجتماعي منشوراً على منصة “فيسبوك” يروي حادثة حصلت مع أحد أساتذة الجامعة اللبنانية، الذي قرر التخلي عن مهنته وشهادته والعمل ناطوراً في بناية سكنه وعائلته. قدّم استقالته، والغصة بين كلمات يلفظها ويتمتمها لرئيس القسم. ترك خلفه سنوات من الجد والعمل وخبرة في مجال التعليم، ليستطيع الصمود أمام طلبات منزله وزوجته وعائلته.

راتب ناطور البناية مع فائق احترامنا لمن يعملون في هذا المجال، أصبح أفضل من راتب أستاذ جامعي أفنى أهله حياتهم من أجل إيصاله إلى هذه المرحلة المتقدمة من حياته. الجامعة اللبنانية التي تعتبر الملاذ الأول والأخير لتعليم أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة أصبحت على حافة الانهيار حرفياً. لا خدمات، ولا ميزانية كافية لتشغيلها، والدولة “عورة” عن حاجاتها. فارغة، لا طلاب ولا أساتذة في الصفوف لأن رواتبهم لا تكفيهم أجرة طريقهم، وفي حال قرروا الالتزام فالجامعة خالية من المازوت للتدفئة، ومن الكهرباء للإنارة، ومن الأوراق للطباعة. وحيدة اليوم بعدما خرّجت أجيالاً كاملة افتخرت بشهادتها، ولكن ما حملته هذه الفترة للجامعة الوطنية الوحيدة كان فوق طاقتها.

رئيس قسم العمارة في كلية الفنون في الحدث الفرع الأول، ورئيس الفرقة البحثية في التنظيم المدني في معهد الدكتوراه في سن الفيل نسيب حطيط، هو صاحب منشور الأستاذ الجامعي والناطور، شرح بالتفصيل عبر موقع “لبنان الكبير” معاناة الجامعة من الهيكل إلى الأساتذة والطلاب، وقال: “الجامعة اللبنانية تعاني من مشكلات عدة في ما يخص الموازنة التشغيلية، الأساتذة، الموظفون والطلاب. بالنسبة إلى الأساتذة الذين يبلغ عددهم حوالي خمسة آلاف أستاذ جامعي لقرابة ثمانية آلاف طالب في كل لبنان، ينقسمون إلى ثلاث شرائح، المتعاقدون بالساعة والذين أصبح عددهم حوالي ٣ آلاف ما يعادل نسبة ٦٠٪، والمتفرغون سنوياً، والمثبتون الذين يبلغ عددهم بين ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ أستاذ جامعي نتيجة احالة حوالي ٢٠٠ أستاذ على التقاعد هذا العام. ومن هنا لا بد أن يعلم الجميع أن الاستاذ المتعاقد حتى اليوم ساعته تساوي ٦٠ ألف ليرة لبنانية فقط ويأخذ راتبه بعد سنة ونصف السنة من إنجاز عمله تقريباً أي ليس شهرياً ولا حتى سنوياً، والأستاذ المتفرغ يتراوح راتبه بين ٣ إلى ٦ ملايين ليرة. أما الأستاذ الذي يرتقي إلى رتبة بروفسور فراتبه ٦ ملايين فقط”.

أضاف: “المتعاقد ليس لديه ضمان صحي، ولا منح تعليم لأولاده، ولا حتى معاش تقاعدي ويخرج بتعويض مثل الضمان الاجتماعي، سقفه ٣٥٠ ساعة في الجامعة اللبنانية أي راتبه في السنة حوالي ٢٨ مليون ليرة، أي ما يعادل مليون ونصف المليون في الشهر فقط، وأصبح اليوم ملزماً بتعليم ٣ أيام حضورياً، وهذا يعني أننا نتحدث عن كارثة كبيرة جداً، حتى أنه ليس له ضمان استمرارية في الجامعة. من جهة أخرى، المتفرغون والمثبتون كانوا يحصلون على ضمان صحي ومنح تعليمية ٩٠٪ لأولادهم ولكن بعد التقديمات على دولار الـ ١٥٠٠ باتوا جميعهم اليوم لا يستفيدون من الضمان الصحي لأن ما بيسوى شي!”.

“ضمن خطة التعافي الاقتصادي التي أقرها مجلس الوزراء بتنحيف القطاع العام، قالوا انه سيجمّد التوظيف فيه لفترة ٥ سنوات على الحد الأدنى، والجامعة اللبنانية في كل عام يخرج منها أساتذة بين وفاة، وتقاعد بحدود ١٥٠ أستاذاً” بحسب حطيط الذي أكد أن “الجامعة تنزف منذ العام ٢٠١٤ وخرج منها حوالي ٨٠٠ أستاذ ما عدا مئات الأساتذة الذين غادروا للعمل في الخارج في السنتين الأخيرتين. واليوم تعتمد الجامعة بنسبة ٢٥٪ على الأساتذة المتفرغين والمثبتين، و٧٥٪ على المتعاقدين”.

وبالنسبة الى المعاناة لناحية الكلفة التشغيلية والطلاب في الوقت نفسه، أوضح “أننا منذ ٣ سنوات نتقاسم سعر الأوراق وشراءها، لأن المسؤولين اقترحوا إعطاء الافادة للطالب على (USB) ليصورها، أو السماح لرسائل الطلاب القديمة بأن تفرط والطباعة على الجانب الخلفي من الورقة، وهذا أمر مهين جداً. الكهرباء مقطوعة في كل فروع الجامعة، إلا في فرع الحدث لا يزال هناك بصيص كهرباء حتى اليوم، و(مشحته) من المازوت. ويجب على الجميع أن يعلموا أنه في معهد الدكتوراه طلب أحد الطلاب من العميد إفادة لاحدى السفارات، فرد الأخير بأنه ليس هناك مازوت للتشغيل ويمكننا أن نكتبه بخط اليد، ولكن الطالب يحتاجها مطبوعة، فسمح له بأن يشتري (تنكة) مازوت لتشغيل مولد الكهرباء، وأطفئ كل المبنى لتشغيل غرفة الكمبيوتر فقط لطباعة هذه الافادة. والعام الماضي في مناقشات رسائل الدكتوراه، كان الطالب يشتري كمية مازوت لمدة ساعة ونصف الساعة أي مدة مناقشة الرسالة. ويمكن أن نذهب أبعد من ذلك، فالأساتذة الذين يريدون مناقشة رسائل الطلاب كانت جلستهم تساوي ٨٠٠ ألف ليرة، واليوم هناك عدد كبير منهم اعتذروا عن المناقشة لأن (بيدفعوهم عالطريق) ويأخذونها بعد سنة أو سنتين من المناقشة، وبالتالي تعطلت مناقشة الرسائل”.

أما بالنسبة إلى الموظفين، فأشار حطيط الى أن “٧٠٪ منهم مدربون بالتقاعد أي بالساعة، وهؤلاء لم يأخذوا رواتبهم منذ أكثر من ٦ أشهر، وهي تساوي ٢ مليوني ليرة فقط. وصدر قرار عادل في الجامعة بشهري إنتاجية، أي فرض على الأستاذ والموظف دوام ١٢ يوماً في الشهر لينال منحة إنتاج تساوي راتبه، ولكن بكل أسف من التزم ١١ يوماً مثلاً ألغي شهر إنتاجيته، وهنا يكمن الظلم في مساواة الأستاذ أو الموظف الذي التزم هذه الفترة بالموظف الذي لم يلتزم نهائياً. هذه الجامعة أهم من شركة الكهرباء ومن حقل كاريش، ومأساتها أن خطة التعافي الاقتصادية وموازنة الجامعة لم تنصفاها، وهي تموت سريرياً وتستوعب ٨٠ ألف طالب من كل لبنان ومن مختلف الطوائف، بينما كل الجامعات الخاصة تستوعب ٤٠ ألف طالب فقط، وحتى اليوم تحاول هذه الجامعة حفظ المستوى العلمي والأكاديمي على الرغم من كل الصعوبات التي تحيط بها”.

وحمّل حطيط مسؤولية الصمت عن كل هذه الأمور للطلاب الذين يبلغ عددهم ٨٠ ألفاً والأساتذة ٥ آلاف وحوالي ٢ ألفي إداري، “لأن أي تحرك ضاغط منهم أي ما يعادل ١٠٠ ألف شخص وبحساب سريع أن يُضرب هذا الرقم بـ ٥ أو ١٠ أشخاص معهم يعني اليوم يمكننا أن نرى مليون شخص معترضين على هذا الوضع الصعب ما يعني ثلث الشعب اللبناني المقيم، ولكن في حال لم يتحرك أحد فنحن اليوم أمام سيناريو نزف لكل الأساتذة والكفاءة الموجودة وبعد سنة أو سنتين يمكن أن تنتهي الجامعة اللبنانية”.

وناشد كل خريجي الجامعة اللبنانية وخصوصاً المتواجدون في الخارج وعلى مدار ٥٠ سنة، بالقول: “الجامعة بحاجة اليكم اليوم، من أجل أولادكم، ومن أجل هويتكم الوطنية، فعبثاً مناشدة زعماء الدولة، التي اتخذت قراراً مع صندوق النقد الدولي بوجوب إلغاء القطاع العام والجامعة اللبنانية مؤسسة عامة!”.

شارك المقال