الأطباق اللبنانية ضمن لائحة أشهر المأكولات النباتية العالمية

زياد سامي عيتاني

إنتزعت ثلاثة أطباق لبنانية تقليدية مكانتها على اللائحة العالمية لأشهر المأكولات النباتية، وهي: “الفتوش” و”البابا غنوج” و”الحمص بالطحينة”.

وهذا ليس بأمر مستغرب، فالمائدة اللبنانية زاخرة بالأصناف المتنوعة ذات المذاق الشهي والفوائد الصحية، خصوصاً وأن المطبخ اللبناني تفاعل مع العديد من المطابخ العالمية، مما ساعده على تطوير أصنافه مع المحافظة على أصالتها التقليدية.

وبمناسبة هذه النتيجة، فإننا في موقع “لبنان الكبير”، سنلقي الضوء على أصول تلك الأطباق الفائزة، وكل المعلومات المتعلقة بها:

الفتوش:

عرس الخضروات ومهرجانها يتجمعان في طبق واحد هو طبق “الفتوش” الذي يزين المائدة اللبنانية بمكوناته التي تضم باقة غنية ومتنوعة من الخضر الشهية والطازجة التي تزهر وتثمر في كل المواسم، فيضفي رونقاً ولا أجمل على المائدة الرمضانية سواء لجهة نكهته اللذيذة أو لجهة ألوان الخضروات المقطعة الزاهية فكأنه حديقة مصغرة على المائدة.

و”الفتوش” هو السلطة اللبنانية بامتياز، لأنها إنطلقت من المطبخ اللبناني وإرتبطت بآسمه، لتشتهر بها بعد ذلك سائر المطابخ العربية على ااإطلاق، لاسيما في سوريا والأردن وفلسطين.

و”الفتوش” يتألف من الخس والخيار والبندورة والنعناع والبقلة والبقدونس والفجل والفليفلة الخضراء والبصل الأخضر والزعتر الأخضر، ويُضاف إليه السماق وعصير الحامض ودبس الرمان والثوم والملح والبهار وزيت الزيتون والخبز المحمص أو المقلي.

وهناك حكايتان شعبيتان عن سبب تسمية هذا النوع من السلطة بـ”الفتوش: الحكاية الأولى تُرجع أصل الكلمة إلى “فت وشوف”، أي يتم تفتيت الخضر والخبز إلى فرمات صغيرة، وعندما يُصبح جاهزاً تصبح مشاهدة ألوان مكوناته الزاهية أمراً يبعث على الاستلطاف لناظره، فسُمي “فت وشوف”، ومع مرور الزمن صارت تُلفظ “فتوش”.

أما الحكاية الثانية فتُعيد التسمية إلى أن أصول إعداد “الفتوش” وتحضيره تقتضي تقطيع الخضر بأحجام صغيرة جداً وعندما تُمزج في الطبق تضيع هوية الأصناف فيحتاج كل من يتذوقه الى أن يفتش (أي يبحث) عن كل قطعة صغيرة في حال أراد التمييز بين المكونات. فأُطلق عليه تسمية “فتوش” بمعنى التفتيش.

وكان أهل بيروت وطرابلس قديماً يسمون “الفتوش” “زريقة”، وذلك لغلبة اللون الأزرق أي الأخضر عليه.

“البابا غنوج”:

وصف “البابا غنوج” بأنه “ملك المقبلات” ليس من فراغ، فعلى الرغم من كثرة المقبلات اللبنانية وتنوعها، فإنه له مكانته الخاصة على المأدبة اللبنانية، بسبب مذاقه الطيب وطعمه اللذيذ، وفي الوقت نفسه بسبب سهولة تحضيره، بحيث يتم إعداده من الباذنجان المهروس بعد شيه، مضافاً إليه الطحينة والزيت والبهارات والثوم.

وقد يضاف إليه دبس الرومان، أو الليمون، أو الجوز، أو البقدونس. ولكن لماذا سمي بـ”بابا غنوج”؟ في الأساطير المنتشرة عن أصله أن الرجال كانوا يحبون هذا الطبق ويأكلونه أكثر من السيدات؛ لذلك سمي بـ”بابا”.

وحكاية أخرى تقول إنه كان هناك شخص يدعى “بابا غنوج” كان يعد هذه الأكلة ويوزعها على الأهالي والمطاعم المجاورة في الحي الذي يسكنه.

ولكن الحكاية الأكثر إنتشاراً هي التي يعود أصلها إلى القرن الأول الميلادي في بلاد الشام، حيث كان هناك قس مسيحي محبوب من تلاميذه يدعى “البابا غنوج”، وذات مرة أراد أحد تلاميذه أن يقدم له وجبة تقديراً له، فأعد خليطاً من الباذنجان المشوي وخلطه ببعض الخضروات ثم أضاف إليه الطحينة.

وكان القس كريماً ورفض أن يتناول الوجبة بمفرده وجمع الكثير من تلاميذه ليتناولوها معه، فأعجبوا بها كثيراً وأطلق عليها منذ ذلك الوقت “بابا غنوج”، وإشتهرت بهذا الاسم حتى الآن.

“الحمص بالطحينة”:

“الحمص بالطحينة” الذي نأكله بشهية، يعتبر واحداً من الأكثر الأطباق اللبنانية إستهلاكاً، بحيث من الممكن تناوله كفطور أو واحد من “المازة” أو حتى وجبة كاملة، خصوصاً مع الابتكارات التي أدخلت عليه بإضافة اللحم المفروم مع الصنوبر أو المقانق أو الأورما، كما أنه يؤكل إلى جانب عدد من الأطباق الرئيسة.

وهذا الطبق معد ببساطة من هريس الحمص المطبوخ والطحينة وزيت الزيتون والليمون والملح والثوم.

كلمة “حمص” تأتي من اللغة العربية، وهو بقوليات زرعت لأول مرة في الشرق الأوسط قبل 10 آلاف عام.

“الحمص بالطحينة” نشأ في بلد عربي، وكتبت الوصفة الأكثر تشابهاً في القاهرة في القرن الثالث عشر وكانت مصنوعة من الحمص والليمون والتوابل والزيت، ولكن بدون الطحينة أو الثوم. ومن المفارقات أن الوصفة الأولى مع الطحينة هي من المطبخ المصري.

كما أن سجلات السمسم أو الطحينة قديمة أيضاً، بخلاف ظهورها المكتوب لأول مرة في القرن الثالث عشر.

في سوريا يعتبر الكثيرون أن دمشق هي مهد “الحمص بالطحينة” ويربطونه بالنفوذ التركي، وفي لبنان يدعون شرف بيروت وتقاليدها الطهوية المهمة.

وفي هذا السياق يؤكد الدكتور مارك أبو عبد الله الذي يحمل شهادة ماجستير في اللغات السامية القديمة، أن المنطقة الساحلية في لبنان هي نقطة إنطلاق “الحمص بالطحينة”.

ويشرح أن الحمص إستخدم في بلادنا منذ زمن بعيد، وكان يقدم على طريقة البليلة أي حبوب الحمص المسلوقة المطيبة بزيت الزيتون والبهارات والمزينة بالصنوبر، موضحاً أن الضيافة في القرى اللبنانية قديماً كانت عبارة عن فواكه مجففة وحمص محلى.

ويتابع: “في العام 1840، مع وجود العثمانيين، دخلت الطحينة إلى لبنان عبر بعض التجار في مدينتي طرابلس وصيدا، ثم راح اللبنانيون يمزجون الحمص بالطحينة وصار عندنا حمص بالطحينة”.

شارك المقال