احتفالات اللبنانيين بالأعياد متواضعة… و”بابا نويل” غائب!

راما الجراح

ينتظر العالم شهر عيدي الميلاد ورأس السنّة طوال العام بفارغ الصّبر لما تحمله هذه الفترة من أجواء فرح وبهجة وعطاء ولمّ شمل العائلات التي تجتمع لتتبادل الأمنيات والهدايا. وفي لبنان، على الرغم من الأزمة المعيشية الصعبة، يحرص اللبنانيون على الاحتفال بهذين العيدين على إعتبار أن الأعياد هي المناسبة الوحيدة التي يتفق الجميع على عيش أجواء الفرح فيها. وتشهد الأسواق تحسناً ملحوظاً في حركتها، بالتزامن مع إعلان عدد من المحال التجارية عن حسومات كبيرة على السلع والمنتجات، لتشجيع المواطنين على الشراء، ولكن، على الرغم من ذلك، يبقى زخم الأجواء الاحتفالية بالأعياد أقل مما اعتادته شوارع لبنان، التي كانت تشهد ازدحاماً كبيراً في هذا الوقت من كل سنة.

مظاهر الأعياد تجتمع بسببها الأسر والأقارب، ويحضر الأبناء العاملون في الخارج، وهناك أعدادٌ كبيرة تعيش في المهجر فتأتي الى الوطن لتشارك أهلها في احتفالاتهم. وتتصدّر واجبات الضيافة أنواع فخمة من الشوكولا التي تُصنّع لهذه المناسبات بأشكالٍ وأنواعٍ راقية، وتتسابق المحال على بيعها وعرض أفضل ما لديها من الهدايا والعلب المزيّنة والمنسّقة بألوان العيد، لترغيب المواطن بشرائها. أما المفاجأة فهي في الأسعار الباهظة لهذا النّوع من الهدايا، اذ أن الشوكولا يسعّر أيضاً بالدولار، ويتخطّى سعر الكيلوغرام 60 دولاراً في بعض المتاجر، وإن وضع في تحفة أو كريستال مثلاً يصبح سعره أضعافاً، وقد تتخطّى هدية الشوكولا المليوني ليرة لبنانية!.

ويعتبر الـ “بوش دو نويل” من أهم التقاليد التي لا يمكن الاستغناء عنها في ليلة عيد الميلاد، اذ أنه عادة قديمة توارثها الأجداد والآباء حتى يومنا هذا، ويمثل زينة المائدة الميلادية احتفالاً بقدوم السيد المسيح إلى الأرض، إلا أن أسعاره التي شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات الماضية وقفت عائقاً أمام المواطنين على اختلاف فئاتهم وأعمارهم ومنعت معظمهم من شرائه.

أما لناحية الهدايا التي يتم تبادلها في المناسبة، فيؤكد أحد أصحاب المحال التجارية الكبيرة في البقاع أن “أسعار الدمى الصغيرة تتراوح بين 22 و25 دولاراً، وهناك أطفال يفضّلون شراء ألعاب تشرّج على الكهرباء وسعرها اليوم يتجاوز الـ 100 دولار، ما يشكل راتباً كاملاً. والاقبال اليوم هو على الهدايا الرمزية للصغار والكبار مصنوعة من أعمال يدوية وحرفية، مثل الحلي من الخرز والأحجار، أو حفر على الخشب وأسعارها مقبولة جداً تتراوح بين 200 و350 ألف ليره فقط”.

على الرغم من كل هذه الصعوبات، يعوّل أصحاب المرافق السياحية من فنادق ومطاعم وملاه على نسبة إشغال مرتفعة، تساهم في التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتزامن مع الاستعصاء السياسي والفراغ الرئاسي، وتتوقع المراجع الاقتصادية وأصحاب المنشآت السياحية أن يجلب موسم الأعياد كميات كبيرة من العملة الصعبة إلى السوق اللبنانية، والتي يتوقع أن تنفق في الأسواق والفنادق والمطاعم.

ويشير صاحب مطعم مشهور في البقاع لموقع “لبنان الكبير” الى أن “السياح في لبنان نوعان، الأول المغتربون الذين يقصدون لبنان في فترة الأعياد تحديداً لقضاء الوقت مع العائلة، والثاني الأجانب الذين يخصصون زيارتهم للبنان، والحجوزات Full في مطعمنا حتى رأس السنة، وهناك معلومات مؤكدة أن بعض الفنادق اضطر الى فتح أجنحة كانت مغلقة في السابق بسبب الاقبال الكبير من الأجانب لقضاء فترة الكريسماس في بلدنا وهذا يبشر بالخير على الرغم من الأوضاع السياسية المتأزمة”.

وبحسب منظم حفلات في البقاع الأوسط، فان “العمل (نار) هذه الفترة بعدما وصلني عدد كبير من طلبات تنظيم حفلات عائلية في المنازل هذه السنة، فغالبية اللبنانيين المقيمين تلجأ الى هذه الطريقة، وليست (بطّالة) وأوفر من حجوزات الفنادق والاحتفال في الخارج، وهناك عائلات كثيرة تقوم بذلك من أموال أبنائها في الخارج الذين لم يستطيعوا المجيء إلى لبنان لقضاء العطلة فيه”.

بناءً على كل ما تقدم، بدا واضحاً أن الغلاء الفاحش يضرب كل مستلزمات الاحتفال بالأعياد من جهة، فيما المواطن اللبناني يصر على الاحتفال من جهة أخرى، ولكن بطريقة متواضعة جدّاً، فلا وجود لهدايا فخمة تحت شجرة الميلاد، وقد لا يكون هناك “بابا نويل” هذا العام، لا سيما أن الكثيرين اضطروا الى تغيير عاداتهم واعادة برمجة أولوياتهم، في هذا الوطن الذي أصبحت نسبة الفقراء فيه هي الأعلى!

شارك المقال