طعام الانسان والاعتدال فيه

السيد محمد علي الحسيني

واجهت البشرية منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم الكثير من مظاهر التشدد والعنف بسبب الابتعاد عن المنهج القويم واتباع الهوى، فانعكس ذلك على السلوك الفردي والجماعي للإنسان، ولا شك في أن السبيل الوحيد لمواجهة ذلك هو اتباع منهج الاعتدال في كل صغيرة وكبيرة وفي كل مناحي الحياة. ولا شك في أن الإسلام ركز على الوسطية والاعتدال وجعلهما مطلباً وضرورة في حياتنا ومعيشتنا وحتى في طعامنا وشرابنا حتى أنه تعالى أنزل في القرآن الكريم سورة كاملة باسم “المائدة” تتحدث بكل تفصيل عن الطعام والشراب حلاله وحرامه، في حقيقة تؤكد اهتمام الإسلام بطعامنا وغذائنا باعتباره عنصراً مهماً في تنمية عقولنا وأجسامنا، ولكنه في الوقت نفسه ركز على المبدأ العام في كيفية التعامل مع هذا العنصر والذي يتعلق بأهمية الوسطية في تناول الأكل وعدم الإفراط أو التفريط فيه .

إن الإسلام اهتم بكل المسائل ودعا إلى التعامل معها بوسطية واعتدال، وعلى رأس هذه الأمور الأكل والشرب وما لهما من تأثير على جسم الإنسان وعقله، ومن المؤكد أننا نستفيد من الطعام لكي نتقوى به من أجل طاعة الله عز وجل ولنستمر في حياتنا بما يرضيه سبحانه وتعالى، وفي هذا الصدد يقول الامام الغزالي في مقدمته: “إن مقصد ذوي الألباب لقاء الله تعالى في دار الثواب ولا طريق إلى الوصول للقاء الله إلا بالعلم والعمل، ولا يمكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن، ولا تصفو سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات والتناول منها بقدر الحاجة على تكرر الأوقات”.  وصحيح أن الطعام ليس هدفاً في حد ذاته، ولكننا نأكل لأن أجسامنا بحاجة إلى طاقة ليقوم بكل النشاطات الفكرية والبدنية، لذلك صدق من قال: “نحن نأكل لكي نعيش وﻻ نعيش لكي نأكل”، ولكن ما نلاحظه في زماننا هذا أن المطاعم أصبحت تشغل حيزاً كبيراً في حياة البشر في كل العالم، فكل شيء تحول إلى عملية استهلاك للأكل بكل أنواعه على طريقة “الفاست فود” الذي طغى على يومياتنا، في حين أن الأكل له بروتوكولاته حتى يكون صحياً ولا يعود بالضرر على جسم الإنسان، فمن آداب المائدة أن نأكل بروية حتى نترك للمعدة وقتاً لهضم الأكل ونترك مساحة للماء ومساحة للتنفس كما قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “إذا كان الإنسان لا بد له من الشبع، فليجعل الأكل بمقدار الثلث، والثلث الآخر للشرب، والثلث للنفس حتى لا يحصل عليه ضيق وضرر، وكسل عن تأدية ما أوجب الله عليه في أمر دينه أو دنياه”.

كما أكد الاسلام على عدم المبالغة في الأكل لما له من أضرار صحية وهنا يقول المولى تعالى: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكُلوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفوا إنهُ لا يُحِبُّ المسرفين”، بل شبّه المسرفين في الطعام بالأنعام السائبة في أكلهم وشربهم في قوله: “والذين كفروا يَتَمَتَّعُونَ ويأكلونَ كما تأكُلُ الأنْعامُ والنَّارُ مَثْوًى لهم”، فالإسلام عندما حذر من كثرة الطعام فلأنها توقع الإنسان في الضرر النفسي بقسوة قلبه، وفي الضرر الجسدي إذا أكل عن شبع وما زاد عن حاجته، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم): “إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للبدن ومورثة للسقم ومكسلة عن العبادة”. كما أن الإمام علي عليه السلام نبّه من الأكل فوق الشبع بقوله: “لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات”.

ومن خلال ما ذكرنا آنفاً يتأكد أن الإسلام أبدى اهتماماً كبيراً بموضوع الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، ومن بينها الأكل والشرب ودعا إلى أهمية الأكل بمقدار وعدم المبالغة في ذلك حتى لا يقع الضرر الذي ينعكس على صحة الانسان البدنية والعقلية، ويحول دون أداء عباداته بالشكل الحسن، فالأكل حاجة لا يمكن الاستغناء عنها ولكن الاعتدال في تناوله ضرورة كي يؤدي الأكل نفعه.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال