هكذا كانت بيروت تعيش أجواء الميلاد

زياد سامي عيتاني

حتى الماضي القريب، كان لعيد الميلاد المجيد رونقه، وتحضيراته، وبهجته، وحفاوته.

أجواء التحضير للأعياد التي كنا نعيشها في بيروت، عندما كان للعيد رونقه، سرقتها منا وقضت عليها الأزمة الاقتصادية المعيشية الكارثية التي نرزح تحت وطأتها، في ظل إستمرار الانجرار نحو الإنهيار.

كأننا أصبحنا أعداءً للفرحة، ذلك أن كل شيء حولنا يدعو الى البكاء والحسرة.

باختصار العيد هذا العام، سيغيب عنه العيد!.

أين زينة الميلاد التي كانت تتلألأ في شوارع بيروت، وكأنها ليلاً تعانق نجوم السماء الساطعة؟

أين “بابا نويل” الذي كان يسعد الأطفال بسماع جرسه، وترقص قلوبهم فرحاً بهداياه وترتسم البسمة العريضة على محياهم؟

في الماضي، وقبل حلول الأعياد بأسابيع كانت أسواق بيروت وشارع الحمراء وواجهات محالها التجارية تكتسي بحلة العيد وزينته التي يطغى عليها اللونان الأحمر والأخضر، التي كنّا ننتظرها من عام الى عام لنتمتّع بزهو ألوانها وأضوائها، فتصبح مشعّة متلألئة بالأنوار المختلفة التي تضفي أجواء من الفرح والمحبة على النفوس المبتهجة بالعيد وإحتفالاته.

شجرة الميلاد المزيّنة والمضاءة بالألوان والأجراس، تبدو سيدة الموقف، متأهبة دائماً أينما حطت الأنظار، يرافقها صوت فيروز في أغنية “ليلة عيد” كأنه يحاول أن يخفّف من سرعة المدينة وناسها الذين يبدون على عجلة من أمرهم لاستقبال المناسبة المجيدة بأفضل ما لديهم.

في موسم الميلاد تكون المحال التجارية على إختلافها من ألبسة وعطور وهدايا متأهبة للمناسبة، لأن العادة جرت أن يتبادل الأهل والأصدقاء الهدايا إحتفالاً، فتراها مزدحمة بالزبائن الذين يحرصون على شراء أجمل الهدايا وأكثرها تمايزاً، لاهدائها إلى أعزائهم، واستعداداً لوضعها تحت شجرة الميلاد في المنازل للإيحاء للأطفال بأن “بابا نويل” أحضرها لهم ليلة العيد.

كما أن محال الحلويات الأجنبية (الباتيسري) كانت تشهد حركة غير مسبوقة، خصوصاً لجهة الطلب على الـ”Buche” والـ”Morron Glace” حلوى المناسبة، وهذا ما ينسحب أيضاً على المطاعم التي تعد للمآدب العائلية في المنازل حبش العيد، الذي يتسيّد المأدبة الميلادية.

وخلال فترة الميلاد، كان الأهل يصطحبون أولادهم إلى وسط بيروت التجاري لرؤية الزينات، فتكون “كزدورة” مشياً على الأقدام في سوق “الطويلة” حيث المحال الفاخرة، وشارعي “فوش” و”اللمبي” و”باب إدريس” إمتداداً حتى شارع “جورج بيكو” التي ترفع فيها كل أنواع الزينة المضاءة التي تتخذ من أشكالها الرموز الميلادية كالنجوم والكرات الملونة والذهبية وشخصية “بابا نويل”، فتبهر الأنظار، لا سيما الاضاءة التي تشتعل وتنطفئ تباعاً بصورة إنسيابية ومنتظمة (كان أمراً غريباً بعض الشيء في ذلك الزمن).

كذلك كان شارع الحمراء أيضاً يكتسي كأسواق وسط البلد بحلة العيد، وكان بدوره له حصة للأولاد بزيارته والتمتع بمشاهدة زينته المميزة، لا سيما ليلاً حين كان يتلألأ بالأضواء المشعة.

ونزولاً بإتجاه شارع “بلس” كان لا بدّ من التوقّف عند سور الجامعة الأميركية، التي كانت تحرص إدارتها سنوياً على تزيين إحدى الشجرات العملاقة والمعمرة بزينة الميلاد مستعينة بسيارة إطفاء للتمكّن من الوصول إلى أعلاها، فكانت محطة للفِرْجِة ولالتقاط الصّور لها.

هكذا، كان الجميع يترقب عيد الميلاد ويتحضر له ليحتفل به، إذ كان كغيره من الأعياد والمناسبات الدينية جامعاً لكلّ الناس صغاراً وكباراً، في مدينة المحبة والتعايش والتعدّد والتنوّع، التي تضجّ بالحياة، وسط فرحة عارمة لا توصف.

أما اليوم، فإن بهجة العيد لم تعد موجودة سوى على تجاعيد الزمن المرسومة على الوجوه، والجدران، والأمكنة، وألم الذكريات القابعة في الذاكرة المنسية.

لقد قتلوا البهجة والسرور في دواخلنا، حتى لو كل يوم يأتي عيد ويحل مكانه عيد آخر، لا يمكن للفرحة أن تُحيي قلوبنا الميتة المهترئة… مرة ثانية.

شارك المقال