عادات عيد الميلاد ومظاهره… دلالاتها ورمزيتها (2)

زياد سامي عيتاني

عيد الميلاد المجيد، مناسبة ذات مدلول إنساني وإجتماعي، بحيث يرتكز في جوهره على إجتماع العائلة ليلة العيد للاحتفال معاً بمعانيه الدينية القيّمة، فضلاً عن السعي الى المحافظة على الروابط العائلية والأسرية. لذلك فإن الجلوس حول مائدة العيد ليلة الميلاد، يعد حدثاً إحتفالياً سنوياً.

فالمائدة الميلادية لها حضورها المميز، وتحضّر بعناية فائقة من أشهى الأطباق والمأكولات والحلويات التي إرتبطت في صورة وثيقة بهذه المناسبة السعيدة، حتى باتت جزءاً لا يتجزأ من تقاليد العيد ومظاهره المألوفة والمحبّبة. ومن ثوابت المائدة الميلادية التي لا بد منها ثلاثة أنواع أساسية هي: “الديك الرومي”، الـ “”Buche de Noël والـ “Marron Glace”.

الحبش “الديك الرومي”:

أول ما يتبادر الى الأذهان عند التحدث عن مائدة الميلاد هو “حبش العيد”، أو “الديك الرومي”، الذي بات يعتبر طبقاً أساسياً ورمزاً ميلادياً عريقاً. وسبب هذا الارتباط المتلازم بين الميلاد و”الديك الرومي” هو إرتباط موسمي تاريخي، إذ أن موسم تكاثر الطائر يتزامن مع الشهور الأخيرة من العام، ما جعله الوجبة الأساس للأعياد المتزامنة مع نهايته، لا سيما عيدا الشكر والميلاد.

يتخذ “الديك الرومي” موطنه الأصلي في أميركا الشمالية، ولم يعرفه الاسبان الا بعدما جلبه المبشرون وكولومبس من الأراضي الجديدة، قائلين ان اسمه “بوليه ديند” (الدجاج الهندي) نسبة الى الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين. وعرف في فرنسا باسم “ديند”، لكنه في بريطانيا يسمّى “تيركي” إذ ساد إعتقاد بأن موطنه الأصلي هو أفريقيا، التي كان البريطانيون يعتقدون يومذاك أنها موطن الأتراك.

لم يرتبط أكل لحم “الديك الرومي” بعيد الميلاد إلا في عهد إدوارد السابع، عندما كانت هذه العادة حكراً على طبقة النبلاء من دون عامة الشعب. لكنه نزل من هذا المقام السامي الى الشارع في القرن السابع عشر حين أتى به البحارة من المستعمرات الأميركية التي كانت تعتبره غذاءً رئيساً طوال فصل الشتاء.

Buche de Noël:

من رموز المائدة الميلادية حلوى “حطب الميلاد” المعروفة فرنسياً باسم “Buche de Noël”، وهذا النوع من الحلوى بات يعد الصنف الوحيد الذي لا يمكن أن يغيب عن هذه المناسبة الاحتفالية السنوية المميزة. وكما يستدل من إسمها فهي تحضر وتقدم على المائدة، كما لو أنها جذع شجرة حقيقي أعد لوضعه في الموقدة.

يذكر أنه قبل إكتشاف هذا النوع من الحلوى الميلادية، كانت حلوى عيد الميلاد تتألف من الفاكهة المجففة والـ”Brioche”، قبل أن يصبح “حطب الميلاد” منذ العام 1870 تقليداً معروفاً يرافق العيد.

إرتبط ظهور “حطب الميلاد”، وفق الأسطورة الأكثر انتشاراً، بقرار من نابليون بونابرت وفطنة الخبازين الفرنسيين، إذ تقول الحكاية إن بونابرت أصدر قراراً يطالب فيه سكان مدينة باريس بعدم إستعمال المواقد، متذرعاً بأنها تسبب الأمراض وتحدث تلوثاً في الجو، ولأن الموقدة كانت ولا تزال سبباً يجمع أكثر أفراد العائلة في فصل الشتاء القارس، ولأنه بسبب هذا الطلب لم يعد في إمكان العائلات الاجتماع للتنعم بدفئها ومراقبة نيرانها، إبتكر الخبازون حلوى على شكل جذع شجرة، أي الحطب الذي يوضع في المواقد، وهكذا صار الجميع يجتمعون حولها من أجل التمتع بشكلها والتلذذ بمذاقها. ومنذ ذلك الحين، صار الـ “Buche de Noël” التقليد الرسمي المرافق لعيد الميلاد.

الكستناء المثلجة “Marron Glacé”:

تندرج أيضاً ضمن لائحة مائدة الميلاد “الكستناء المثلجة” التي تعرف باسم “Marron Glacé”، إذ أن هذا النوع من الحلوى يعتبر أحد أغلى الحلويات التي تقدم في هذه المناسبة، وهي تستورد إما من فرنسا أو إيطاليا أو اليونان، ويتطلب تحضيرها جهداً ووقتاً ودقة ومهارة، ما يجعل ثمنها باهظاً جداً.

وهناك نزاع بين الفرنسيين والايطاليين حول نشأة هذا النوع من الحلوى، فيقول البعض إنها فرنسية المنشأ في زمن لويس الرابع عشر على يد الشيف الشهير لافارين، فيما يشير آخرون الى أنه جيء بها من مدينة كونيو الايطالية التي تتوافر فيها أشجار الكستناء بكثرة. وعلى الرغم من الخلاف على المنشأ الأصلي لها، فإن الجميع يعترف بأن فوجيي الفرنسي كان أول من أنتج الكستناء المثلجة صناعياً في العام 1882، لكن هذا النوع لم يكن ليحفظ فترة طويلة، مما منع تصديرها على نطاق واسع، الى أن طور الايطالي صوتا إنجيلو تقنية صناعتها وحفظها.

بهذه العادات والتقاليد الاجتماعية المميزة والمحببة التي ترسم الابتسامة على وجوه الكبار والصغار وتدخل الفرحة والسعادة الى قلوبهم، يحتفل العالم كل سنة بعيد الميلاد المجيد بما ينطوي عليه من أهمية دينية ذات قيم سامية ومقدسة، فضلاً عن دلالات إجتماعية – إنسانية تلتقي على المحبة والتسامح.

شارك المقال