في الميلاد… طرابلس “ظمآنة” إلى الفرح

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تعرف مدينة طرابلس هذا العام أجواء ميلادية كانت قد اعتادت عليها سابقاً، لا سيما مدينة الميناء التي اعتاد أهاليها على زيارة أحيائها في هذا العيد لأخذ جرعة من البهجة والسرور، أمّا هذا العام فقد خيّم الحزن والبرودة على أحياء الفيحاء من دون استثناء على الرّغم من حاجة أبنائها إلى هذا الموسم تجارياً واقتصادياً كما نفسياً في ظلّ تخبّط البلاد بأزمات أهلكت المواطنين جميعاً.

يُمكن القول إنّ طرابلس التي تأقلمت مع الأزمات حتماً، لم تتذوق منذ أعوام فرحة هذا العيد، فلا يخفى على أحد رغبة الطرابلسيين في انتشال أنفسهم من الكآبة الوطنية، لكن شاء القدر أن يمرّ العيد بلا طعم أو لون، كما بلا زينة لن يتمكّن أحد من إضاءتها مع غياب التيار الكهربائي كما غلاء ثمن الاشتراك، الأمر الذي يُفسر غياب الاضاءة عن الأحياء الشعبية منها وغير الشعبية أيضاً.

ولا تقتصر الأزمة على انقطاع التيار الكهربائي، الذي يُؤدّي بدوره إلى نشر آفات السرقة والنشل المستمرّة حتّى مع استمرار تنفيذ الخطة الأمنية التي كانت مشدّدة خوفاً من أيّ تدهور أمني، فالواقع يُشير إلى أنّ المدينة التي اعتادت على التعايش ضمن مبدأ “العيش المشترك” بالفعل لا بالقول، كانت مستهدفة لأعوام بغية تغيير واقعها، وذلك منذ الحرب الأهلية التي دفعت عائلات مسيحية عدّة كانت تتمتّع بثقل كبير في المدينة لا سيما تجارياً، إلى الهروب خوفاً من كلّ ما كان يُهدّد أمنها وسلامها نظراً الى خطورة الحرب، وهذا ما تُؤكّده م. ديب (76 عاماً) لـ “لبنان الكبير”، وتقول: “أنا من القبة، وهربنا خلال الحرب الأهلية إلى البترون التي ما زلت أعيش فيها حتّى اللحظة، لكنّنا وفي كلّ عيد نزور الكنيسة في طرابلس – الزاهرية مع عائلات عدّة تعود بذاكرتها في هذا العيد وغيره إلى المدينة التي كنّا نعيش فيها أجواء رائعة قائمة على العيش المشترك بيننا وبين المسلمين الذين لم يُشعرونا يوماً بتفرقة ما، وحرفياً أشعر بالحنين إلى لحظات أتمنى العودة إليها خصوصاً إلى منزل والديّ الذي دمّر مع المعارك”.

ومع غياب الزينة عن الطرقات الطرابلسية عموماً، تُحيي العائلات المسيحية في الفيحاء روح العيد في منازلها عبر وضع الشجرة التي يُنيرها صاحب المولّدات الكهربائية والذي لم يُكرم أحداً بزيادة عدد ساعات التغذية. أمّا الأسواق التجارية أو محال بيع الحلوى في المدينة، فلم تشهد حركة كبيرة كتلك التي كانت تشهدها في السابق، ومع غلاء الأسعار وارتفاع الدولار تغيب البركة عن حركة المواطنين الذين كانوا يستغلّون أيّ مناسبة أو حدث ليسرقوا منهما لحظة فرح تُكتب لهم بين الحين والآخر، كفرحة المونديال التي أعادت إحياء ما قتلته الأزمات والمشكلات.

وليس خافياً على أحد حصول بعض الفعاليات البسيطة في المدينة، دينية تارة وسياسية تارة أخرى، رفعت من مستوى نشاط سوق العيد في طرابلس في الأيّام الماضية أو التي تسبق رأس السنة الميلادية، إلا أنّها تبقى نشاطات محدودة غير مؤهلة لتليق بمدينة فيها عدد لا يُستهان به من السياسيين ومنهم مسيحيون تحديداً، لم يُسجّلوا أيّ تحرّك إنساني واجتماعي لاعطاء كلّ ذي حقّه، وكأنّهم من كوكب آخر لا يسمح لهم بإدراك ما يحصل في مدينتهم من أزمات وما يُفرحها من مناسبات وتحرّكات، فلا يُسمع “حسّهم” إلّا في كلّ فاجعة تغيب بعدها أيّ حركة سياسية تُشعر المواطنين بقيمة وأمل في وقتٍ يكثر فيه شعور التبلّد ضمن سيناريوهات مقلقة ومخيفة أمنياً ومالياً.

شارك المقال