فيلم الأعياد اللبناني… واقع مرعب

محمد شمس الدين

يهرب الانسان من واقعه إلى الخيال، وتحديداً الى عالم الأفلام والمسلسلات، الذي يحتوي على فكرة شهيرة اقتبست مرات عدة، هي فكرة البطل الذي يتعرض لحادث ما، ويدخل في غيبوبة تستمر سنوات، وعندما يستيقظ يجد أن العالم من حوله تغير. ولكن الفكرة تركز عموماً على بعض التغيرات المرتبطة مباشرة بالبطل والناس الذين يدورون في فلك حياته، ولا يدخل في السياق بلده أو الأحداث العالمية إلا بسطحية. هذه الفكرة الهوليودية تصلح لأن يقوم أحد المخرجين اللبنانيين باقتباسها كفيلم، ولكن مع التركيز على أحداث البلد خصوصاً ثم التوسع إلى كل العالم.

تبدأ القصة بشخصية البطل، الذي يتعرض لحادث سير على أحد الأوتوسترادات في لبنان، قبل 17 تشرين الأول 2019، ويدخل في غيبوبة، حتى يومنا هذا. ثم يستيقظ على سرير أحد المستشفيات، فيهرع الأطباء إليه، ويبدأون فحوصهم، ويتم الاتصال بعائلته لتحضر، ويأخذ في استعادة وعيه شيئاً فشيئاً، بينما أفراد العائلة بقربه يتحدثون معه فرحين بعودته إلى الحياة، لكنه يلاحظ أن هناك شيئاً غريباً، وجوه المحبين تبدو متعبة مرهقة، يأكلها الهم، وعندما يسألهم يتهربون من الاجابة. يبقى البطل فترة في المستشفى ليحصل على كامل العلاج اللازم. وفي يوم الخروج، تأخذه عائلته بالتاكسي لأنها لا تملك سيارة، يلاحظ أن الأجرة مرتفعة قليلاً، وأن أحد أفراد عائلته يدفعها ببضع مئات الألوف من الليرة، يستغرب، ويسأل عن السبب، ولكن يأتيه الجواب: لا تشغل بالك. يصل إلى المنزل، وكالعادة قبل تعرضه للحادث ليست هناك كهرباء، يصعد الدرج ويستقبل المهنئين الفرحين بعودته متمنين له الصحة، ولكنه يستغرب لأن القليل منهم فقط جلب معه الحلويات والشوكولا كما جرت العادة.

أخيراً، بعد انتهاء الزيارات والتهنئة، يجلس البطل مع عائلته، يسألها عن حال البلد والعالم، ومن هو رئيس الجمهورية اليوم، وكيف الوضع جنوباً، وماذا حلّ بالحرب السورية، وأسئلة متنوعة عن الأوضاع المحلية والاقليمية، وهنا يبدأ أفراد عائلته بسرد ما حل بالبلد في غيابه، يصدم عندما يعرف سعر صرف الدولار، لكنه لا يفاجأ بوجود الفراغ الرئاسي. تخبره عائلته لمحة عامة عن كل الأحداث في غيابه، من وباء كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، إلى فوز الأرجنتين بكأس العالم. بعد الأحاديث الطويلة والسؤال عن الأحبة والأصدقاء، يدخل البطل إلى غرفته، يشغل حاسوبه ويبدأ بتصفح المواقع الالكترونية والصحف ليعرف كل الأخبار بالتفاصيل… شاهد ثورة 17 تشرين وخاب ظنه بها، بكى بسبب انفجار المرفأ، أغضبته مشاهد طوابير الذل، واستشاط غضباً أكثر بعدما علم أن السياسيين لا يزالون على حالهم، يتناتشون الحصص على الرغم من كل ما حل بالبلد، لدرجة أن الوباء الذي قضي عليه منذ زمن في لبنان عاد ليتفشى بوباء آخر هو الكوليرا.

بعد الأخبار المحلية، يتجه الى البحث عن الأخبار العالمية، فيرى أن العالم على شفير حرب عالمية، أوروبا التي كان يفكر في الهجرة إليها يوماً، أصبحت في حال غير مستقرة، يخيفه وباء كورونا وتحذيرات منظمة الصحة من أوبئة أخرى، ينظر إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، والتوترات الهندية – الباكستانية، وعودة التوتر في إقليم كوسوفو، وكل التوترات في العالم، ويخشى أن تشعل حرباً عالمية، قد تكون نووية هذه المرة.

بعد معايشته كل المصائب التي يعيشها الشعب اللبناني يومياً، ينام ويستيقظ على تغير في سعر صرف الدولار، وتتغير حياته وفقاً له، يدفع فاتورة المولد الباهظة، التي تساوي راتب عائلات أحياناً، يبحث عن الدواء الذي يصفه له طبيبه فلا يجده، ويطلب من أحد أقربائه أن يرسله له من الخارج، يجلس في مقهاه المفضل يتحسر على غياب أصدقائه الذين هاجر معظمهم، يتحدث معهم عبر الهاتف، ويشحذ منهم بعض “الفريش دولار”، كي يستطيع إكمال الشهر… بعد كل هذه المعاناة، يذهب إلى المستشفى الذي استيقظ فيه، ليقابل طبيبه ويطلب منه أن يعيده إلى الغيبوبة، لأنه لم يعد يحتمل العيش في هذا الواقع المرعب، وينتهي الفيلم.

شارك المقال