تجارة السلاح “ماشية والرب راعيها”… والرصاصة بـ ٤٠ سنتاً!

راما الجراح

يبقى لبنان بلد الفرح والسهر على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تحيط به. وفي أجواء إحتفالية في صالات لبنان ومطاعمه، استقبل اللبنانيون عامهم الجديد مع ثلة من الفنانين اللبنانيين والعرب، بمعنى كانت “ولعانة” ليلة رأس السنة بحفلات وأجواء أعادت الى الوطن بريقه الخافت منذ سنوات. “تنذكر وما تنعاد” كانت أقل التمنيات التي رددها اللبنانييون بحق سنة ٢٠٢٢ التي رمت مصائب عديدة على كاهل لبنان وشعبه وإنفردت بإيجابية وحيدة هي رحيل ميشال عون عن سُدة الرئاسة.

نودع عاماً انتقلت أزماته التي لم تنتهِ إلى العام الجديد، من جشع التُجار وأصحاب المحطات، إرتفاع الدولار، إنتظار “صيرفة”، فساد المسؤولين، إعتكاف القضاة، نهب أموال المودعين، إزدياد نسب الفقر والبطالة وهجرة الشباب، المطالبة بزيادة الرواتب، الأمراض والأوبئة، فقدان الأدوية من السوق، التزوير، إرتفاع نسب الجرائم والسرقات، هروب العسكر، عدم قدرة المرضى على العلاج، وكذب السياسيين ودجلهم على شاشات التلفزة، ولكن…

على الرغم من كل معاناة معظم اللبنانيين وتدني مستوى معيشتهم ، إلا أن ليلة رأس السنة لم تخلُ من أجواء الرعب جراء إطلاق النار الكثيف إحتفالاً بنهاية العام ٢٠٢٢، وهي ظاهرة تتكرر في كل مناسبة وعام لتؤكد على انتشار السلاح الفردي والمتفلت من دون أي ضوابط، وخصوصاً في بلد يشهد منذ العام ٢٠٢٠ أضخم أزمة مالية في تاريخه، فهل أسعار الرصاص والخرطوش رخيصة إلى هذه الدرجة؟ وهل أرواح الناس بنظر من يحملون السلاح لا قيمة لها؟ وأين القوى الأمنية التي أكدت تشددها على هذه النقطة تحديداً ومحاسبة مطلقي النار؟

أقدم ١١٦ شخصاً على إطلاق النار بحسب إحصاء القوى الأمنية حتى الساعة، وسيتم استدعاؤهم وفق القوانين المرعية الاجراء. كما أحصت قيادة الجيش اللبناني المئات ممن أطلقوا النار من أسلحة حربية وبعضهم موثق بالفيديو، بعدما مارسوا غريزتهم العدائية وتسببوا بأضرار مادية كبيرة بدءاً من إصابة طائرتين لشركة “الميدل إيست” في مطار رفيق الحريري الدولي، وإنقاذ العناية الالهية شاباً أخطأته الرصاصة فأصابت هاتفه “الآيفون” في محيط المطار، ناهيك عن أضرار كبيرة في مئات الألواح الشمسية وزجاج السيارات وبعض المنازل.

حيازة الأسلحة أضحت أمراً شائعاً لدى اللبنانيين في السنوات الأخيرة. التفلّت وغياب الرقابة، إضافة الى تراجع الأمن الاجتماعي، وكثرة عمليات السرقة والتشليح، عوامل ساهمت في تشجيع اللبنانيين على اقتناء الأسلحة وحيازتها. وعلى الرغم من أن البلد يمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، الا أنّها لم تؤثر سلباً على مجال تجارة السلاح. فعلى عكس العديد من المهن والسلع التي شهدت جموداً وتراجعاً، لم يعرف سوق السلاح هذا الواقع الصعب، بحسب العديد من المطّلعين على واقعه.

وأكد أحد تجار السلاح في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الاقبال على شراء قطع سلاح في العام ٢٠٢٢ كانت نسبته أعلى من السنوات الماضية، على الرغم من إرتفاع أسعار البارودة والرصاص كلما ارتفع الدولار. وفي ليلة رأس السنة كانت نسبة إطلاق الرصاص متفاوته بين المناطق، ففي منطقة البقاع مثلاً كانت الحصة الاكبر لمنطقة زحلة وقب الياس، وبعلبك، ووصلتنا معلومات وفيديوهات أيضاً أظهرت أن منطقة الضاحية يمكن أن تتصدر لائحة المناطق الأكثر إطلاقاً للرصاص في ليلة رأس السنة وتسبب ذلك بأضرار مادية كبيرة جداً”.

واعتبر التاجر أن “القوى الأمنية لم تكن موجودة كما يلزم، ولو كان هناك تشدد وحرص كما وعدنا وزير الداخلية لكانت أعداد الموقوفين أكثر من الرقم الذي تم احصاؤه، ويعتبر على مستوى صغير، مع العلم أنه وعلى الرغم من ازدهار تجارة السلاح إلا أنه لم يتم شراء كميات كبيرة كما اعتدنا في هذه الليلة، بحيث اقتصر إطلاق الرصاص على ما هو موجود من سلاح في المنازل”.

وبالنسبة الى لأسعار، قال التاجر: “على سبيل المثال ارتفعت أسعار بارودة الرشاش وأصبحت بحسب نوعها تتراوح بين ٦٠٠ و١٢٠٠ دولار للبارودة و٣٠ سنتاً للرصاصة، لأنها تختلف بين الصيني، الكوري والروسي، وأيضاً الـ (إم ١٦) ارتفع سعرها حتى لامس الـ ١٢٠٠ دولار للبارودة، و٤٠ سنتاً للرصاصة الواحدة. واليوم يمكنني التأكيد أن تجارة السلاح (ماشية والرب راعيها)، لأن هناك مَن يبيع السلاح في منزله من شدة الجوع، وهناك جماعات تشتري كميات كل فترة، اضافة الى أشخاص وهم النسبة الأكبر يشترون السلاح لحماية أنفسهم ومنازلهم، بعد إرتفاع نسب السلب والسرقة في هذه الأيام الصعبة”.

وفي حديث مع قاسم ياسين، أحد ضحايا الرصاص الطائش، أوضح أن “لوحين للطاقة الشمسية تضررا لديه، أحدهم لم يعد ينفع لأن الرصاصة أصابته في الوسط حتى تأثر كله، واللوح الثاني كانت إصابته على الطرف ولا يزال يمتص الأشعة، وفي الأساس ليست هناك دولة حتى نطالبها بأي تعويض”، متوجهاً الى الذين أطلقوا الرصاص بالقول: “أنتم لا خير فيكم لأهلكم فكيف تطلبون الخير من الله؟ وبكل أسف حتى القوى الامنية لم تقدر عليهم”.

شارك المقال