أطفال لبنان يفقدون لغتهم الأم!

راما الجراح

التحدث مع الأطفال باللغة الانكليزية فكرة اعتاد عليها الكثير من الآباء والأمهات حتى يجيد أطفالهم اللغة الثانية منذ نعومة أظفارهم. ولكن الحقيقة ليست في الايجابيات التي يحملها تفكير الأهل حول هذا الموضوع، فقد حذر خبراء اللغويات من هذا الأمر الذي لا يعود بالنفع على الطفل بل العكس، وأن التواصل مع الأطفال باللغة الأم هو أساس لصحتهم ومستقبلهم. وثبت علمياً أن الطفل الذي يجيد لغته الأم بصورة تامة، أكثر قدرة على تعلم لغة أجنبية. وخلص علماء اللغويات وفقاً لموقع “كوزمو” النمساوي، إلى أن من الضروري أن يجيد الطفل في سنوات عمره الثلاث الأولى، لغته الأم بصورة جيدة لأن هذا هو ما سيسهل عليه بعد ذلك تعلم لغة ثانية من دون مشكلات، وفي الأساس يتمتع الطفل بالمقدرة على تعلم ثلاث أو أربع لغات بسهولة حتى يصل الى سن المدرسة، لذا فالأم العربية ليست مضطرة الى الحديث بالانكليزية مع طفلها.

في لبنان، اللغة الأم تتبخر شيئاً فشيئاً على ألسنة الأطفال، وخصوصاً بعد دخولهم المدرسة، إذ يتحولون الى الحديث بلغة أخرى، ويساعدهم على ذلك حديث الأهل معهم داخل المنزل بلغة ثانية، فتبدأ الكلمات العربية تصبح غريبة عليهم وصعبة النطق، فيما قال البعض إن إطفالهم لا يفهمون الكلمات العربية بعد سنوات عدة من اندماجهم في المدارس التي تتبع اللغة الفرنسية أو الانكليزية.

المرشدة التربوية والأسرية أمل حيدر أكدت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “من الضروري أن يتكلم الطفل بلغته الأم ويكتسبها خصوصاً خلال السنوات الأولى من طفولته وكذلك في مدرسته، ويشدد الكثير من علماء اللغة على ضرورة أن يتقن الطفل في سنوات عمره الثلاث الأولى لغته الأم بصورة جيدة ما سيساعده تلقائياً على تعلم لغات أخرى مستقبلاً لأنها الطريقة الصحية التي تسهل عليه ذلك. واللغة ليست مجرد أحرف وكلمات بل هي هويّة الشخص والمجتمع، بحيث تنطوي على تاريخ الشعب وثقافته وحضارته وفكره، وللأسف، ما نشهده من موجة عامة في مجتمعنا اللبناني من العمل الحثيث للمدارس والأهل على أن يتقن الطفل كل اللغات ما عدا العربية هو من الظواهر الأكثر سوءاً بحيث تعتمد الكثير من المدارس على تقليص حصص اللغة العربية وتدعم حصص اللغات الأخرى، وترى غالبية أنشطة رياضة الأطفال وتصوير الفيديوهات واللقطات تركز على مدى إتقان الطالب للغات الأجنبية في صغره (ما يعني أن المدرسة مميّزة)، ولكن المدرسة هنا تحاكي هواجس الأهل ورغباتهم فترى من هنا أماً تتباهى بمعرفة ابنها التحدث بالفرنسية وربما لا يسمع منها مديحاً الا عندما يقول لها: je t’aime maman”.

ومن الناحية التربوية، اعتبرت حيدر أن “هذه الظاهرة لها العديد من الانعاكاسات التربوية لدى الطفل من خلال تصوير نجاحه مرتبطاً بمدى استخدام لغة أجنبية في حياته، وهنا تقع على المدرسة مسؤولية دعم اللغة العربية عبر دعم حصص اللغة العربية، عدم الفرض على الطلاب التواصل أثناء الاستراحة بغير اللغة العربية، أن تختار معلمات لغة عربية على مستوى عال من الكفاءة اللغوية من جهة والتربوية من جهة أخرى، تنظيم الأنشطة اللغوية والشعرية باللغة العربية كما يحصل في اللغات الأخرى، والاهتمام بمناهج اللغة العربية وطرق تقديمها للطالب”.

كما كل الأمور التعليمية والتربوية لا يمكن تحقيق أي هدف إلا بالتعاون بين المدرسة والأهل، بحسب حيدر التي قالت: “على الأهل إدراك أنه من الواجب عليهم التعبير عن حبهم وعواطفهم ومدحهم لابنهم بلغتهم الأم، وأن اللغات الأخرى من المهم تعلمها للعمل والتعلم وليس للحياة أو التواصل مع الأصدقاء والأقرباء. ويترتب على الأهل إشراك طفلهم في أنشطة ودورات للغة العربية كما يحصل في باقي اللغات، الاهتمام بدرجات اللغة العربية في المسابقات والتقويمات وعدم التعامل معها على أنها ثانوية، دفع ابنهم الى استخدام اللغة في حياته اليومية وإن استخدم اللغات الأخرى في التعبير فلنطلب منه بحب أن يقولها نفسها باللغة العربية،. أن يتقن إبنك العربية ويتحدث بلغته الأم هو بداية تعلمه لكل اللغات الأخرى بسهولة وسلاسة، وأن تترك طالبك يبدع بلغته بصورة يومية وليس في اليوم العالمي للغة العربية وحسب، هو مهمتك التربوية قبل التعليمية، فالعمل على سلخ اللغة العربية من أذهان أطفالنا وكأنها انتقاص سيجعلنا نرى جيلاً تائهاً يبحث عن هويته وتاريخه وعاداته وأصوله”.

المهندس محمد. ز أكد أن “إبني وإبنتي في الصف الثاني والثالث الابتدائي لا يحسنان الحديث باللغة العربية مطلقاً، ومخارج الحروف لديهما بالغة السوء لدرجة أن ابني إذا أراد الترحيب بأصدقائي باللغة العربية يقول مارهابا (مرحبا)، وهذا مؤسف جداً. زوجتي فلسطينية كندية وأنجبنا ولدينا في كندا، وعند انتقالنا إلى لبنان استمرت زوجتي التي تجلس معهما في المنزل أكثر مني بحكم عملي في التحدث معهما باللغة الانكليزية واليوم نعاني جداً من إعادة تلقينهما اللغة العربية، فهما يفهمانها ولكن يستصعبان التحدث بها”.

شارك المقال