منشار “يفرعن” في غاباتنا

حسين زياد منصور

صحيح أن تراجع الثروة الحرجية في لبنان ليس وليد اليوم أو الأمس، بل نتاج سنوات طويلة من غياب الرقابة والحفاظ على ما تميز به لبنان من طبيعة ومساحات خضراء منذ زمن بعيد، لكننا ومنذ أشهر قليلة، نشهد إبادة ملحوظة لهذه المساحات، فمناشير الحطب المنتشرة في مختلف الأراضي اللبنانية، لم ترحم هذه الثروة، ولم تفرق حتى بين الأشجار المثمرة والحرجية والزيتون وغيرها، وأصبحت أصوات هذه المناشير الصاعدة من الوديان والغابات مألوفة لدى المواطنين ولم تعد غريبة.

خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد ولا تزال مستمرة فصولاً، الى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء أسعار المحروقات، لم يعد بإمكان نسبة كبيرة من اللبنانيين، شراء المازوت للتدفئة بعد أن قارب سعر الصفيحة 900 ألف ليرة، أي ما يعادل 20 دولاراً، فضلاً عن ارتفاع أسعار الحطب، بحيث بلغ سعر الطن 7 ملايين ليرة، أي أكثر من 100 دولار، في الوقت الذي فقدت فيه رواتب الموظفين أكثر من 90٪ من قيمتها.

المواطن لم يعد قادراً على شراء طن الحطب بسهولة، وكذلك الأمر بالنسبة الى المازوت، لذلك شهدنا هذا الهجوم غير الشرعي والقانوني على المساحات الخضراء والفتك بها، ليس من المواطنين الراغبين في الحصول على التدفئة وحسب، بل من تجار الحطب الذي يبيعونه للناس ويتجولون بشاحناتهم في المناطق من دون حسيب أو رقيب، ويحققون أموالاً طائلة بغير حق، عبر اعتدائهم على البيئة، فأعمال القطع لا تتم عن دراسة، بحيث لا تشحّل الأشجار بل تقطع من جذورها مما يصعب عملية إعادة النمو.

تدخل الوزارات

وتشير مصادر وزارة الزراعة في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أن الوزارة قامت بواجباتها واتخذت التدابير اللازمة من خلال التصدي للمعتدين عبر حراس الأحراج، وإبلاغ المدعي العام البيئي، وتوجيه القوى الأمنية للتصدي للمعتدين ومخالفي القانون، لافتة الى تدخل وزارة الداخلية، وتوجيهات وزير الداخلية لتوقيف الشاحنات المتنقلة التي تحمل هذا الحطب.

كارثة بيئية

ما يحصل يؤدي الى انحسار المساحات الخضراء المتبقية والقضاء على الثروة الحرجية في لبنان، التي كانت في الأصل تتراوح بين 13٪ غابات و11٪ أراضي حرجية أخرى، من دون معرفة النتائج التي تترتب على هذه التصرفات غير المدروسة من حيث دور الغابات والأشجار في تخزين المياه الجوفية ومنع انجراف التربة وغيرها، فضلاً عن الأنواع التي تقطع من أشجار الشوح والعذر والأرز واللزاب المعمرة والسنديان.

هجوم على مواقد الحطب

يقول أحد أصحاب محال بيع مواقد التدفئة ان الناس “هجموا” على شراء مواقد الحطب، ونسبة مبيعاتها كانت مرتفعة جداً، مع العلم أن أسعارها تزيد أحياناً عن الـ 100 دولار وخصوصاً تلك التي تحتوي على فرن، وهو النوع الأكثر مبيعاً كي يتمكنوا من الطبخ عليه وتوفير استهلاك الغاز.

ويوضح أن هناك من كان يأتي بمواقد المازوت لتحويلها الى مواقد حطب، خصوصاً أن الأسعار تختلف كثيراً بين الحطب والمازوت، فالحطب يدفئ أكثر من المازوت ومدة اشتعاله أطول أي أنه “يخدم أكثر”، والطن منه يبلغ سعره 150 دولاراً أو 8 ملايين ليرة لبنانية، في حين يفوق سعر برميل المازوت الـ 200 دولار.

أما أحد أصحاب المحطات فيؤكد أن نسبة بيع المازوت خلال هذه الفترة من السنة مقارنة بالسنوات الماضية قد تراجعت كثيراً، ففي السابق كان الناس قبل فصل الشتاء يشترون برميلاً أو أكثر لتخزينها لبقية “الشتوية”.

شارك المقال