الطهو في طبيعة الجنوب… استمتع بعينيك قبل شفتيك

نور فياض
نور فياض

من لا يعرف جغرافية لبنان، فأطباقه أيضاً هوية.

المعروف عن لبنان أنه بلد الكرم والمأكولات الشهية، لذا نجد مطبخه في المراتب الأولى عالمياً، ومع التطور وعلى مبدأ قول “استمتع بعينيك قبل أن تتذوق بشفتيك” برزت مواهب عدة لتظهر ليس لذّة المأكولات وحسب، انما أيضاً الفن في تقديمها وتحضيرها على مدى ١٠٤٥٢ كيلومتراً مربّعاً.

في الآونة الأخيرة، ومع ظهور تطبيقات أو برامج على مواقع التواصل الاجتماعي بلغت هذه الظاهرة ذروتها واشتدت المنافسة بين الطباخين ليس على كيفية تحضير الوجبات وتزيينها وحسب، بل “أين تنفّذ تلك الوجبات” أيضاً، وأصبح الطاهي ينشر محتواه على مبدأ وجبة مع منظر خلاب، وهل هناك أجمل من الجنوب وطبيعته لابراز ذلك؟

يتميز الطهاة في الجنوب كما في سائر المناطق اللبنانية بأشهى المأكولات، وهذا ما يؤكده الشيف حسن عبد الله أو المعروف بـfood handcraft لـ”لبنان الكبير”، والذي حوّل هوايته الى تحفة فنية. فقد اختار الطبيعة الجنوبية ليطهو أشهى المأكولات، لكنه يشير الى أن للطهو في الطبيعة صعوبات عدة وأهمها عدم توافر العيارات الصحيحة من الغاز وأدوات المطبخ، “ولكن هذه الطريقة نادرة وقلة من تقوم بها، اذ أن غالبية الطباخين تفضل تحضير المأكولات في المنزل لسهولته، اما أنا فاخترت الطبيعة لأبرز جمال الجنوب وكذلك من خلالها نستذكر زمن أجدادنا. فأنا أستخدم مياه النهر، والحطب وأيضاً بعض المنتجات التي تعطيها الطبيعة”، وهذا ما أوصل عبدالله الى عدد كبير من الناس وحتى الاعلام الذين أشادوا بطريقة الطبخ على الزمن القديم وأحبوها.

واعتبر عبد الله أن “لا أزمة اقتصادية حقيقية في الجنوب، ولكن الأزمة اللبنانية عموماً أثرت على مختلف المناطق وطالت المنتج الغذائي الذي أصبح شبه فاسد، أما غير الفاسد ففقد جودته ما أنقص من لذة المأكولات، ولا نزال حتى الآن نعاني من هذا الأمر.”

وأوضح أن “الأزمة الاقتصادية كان لها جانب ايجابي على الشاب اللبناني اذ أظهرت مواهب كانت مدفونة لديه، وجعلت منه منتجاً إن كان على صعيد الطبخ أو حتى الحرف اليدوية ما أدى الى التخفيف من البطالة ولو بصورة ضئيلة وأشعل روح المنافسة، وهذا ما أظهرته وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت الشباب اللبناني على نشر محتواه ولا تكمن المنافسة في لبنان وحسب، انما تخطته لتصل الى العالم العربي.”

وقال: “صحيح أن الطهو في أحضان الطبيعة أمر جميل تستمتع به، الا أنه يخفف أيضاً من وطأة الأزمة الاقتصادية من خلال استبدال الغاز بالحطب، أو حتى قطف الأعشاب الطازجة مثل البقدونس، والخضار كالبندورة وغيرها ما يضفي نكهة مميزة على الأطباق.”

ويحمل عبد الله على عاتقه أرضه وأرض أجداده ويحرص دائماً على ابرازها بأبهى صورة، فهوية الجنوب طبيعته.

فُرِض على الانسان القديم أن يستخدم أدوات الطبيعة لكل احتياجاته، واليوم على الرغم من التطور التكنولوجي الا أن الأزمة الاقتصادية فرضت على بعض المواطنين اللجوء الى الطبيعة، والبعض الآخر اختارها لإبراز جمالها وخصوصاً أبناء الجنوب الذي يتمتع بمناطق ومناظر تسحر الرائي، فهي “جنات ع مد عينك والنظر”، وعلى الرغم من الصعوبة الا أن الجنوبي يراها كالسهل الممتنع اذ أنه لا يفوّت فرصة وخصوصاً في الأيام المشمسة ليمارس هذا التقليد، ولكن الى متى ستبقى هذه التقاليد فاعلة لا سيما بعد الاجتياح العمراني وتقلص عدد الأماكن العامة من جهة، والتلوث تحديداً الزراعي منه والكلفة الباهظة التي تطال بذوره من جهة أخرى؟ فهل سنصل الى مرحلة لا يستمتع المتذوق لا بعينيه ولا حتى بشفتيه؟

شارك المقال