التكافل الاجتماعي في لبنان… “بعدا الدنيا بألف خير”

حسين زياد منصور

منذ 3 سنوات ولبنان يعاني من سلسلة أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية، الا أن الأحداث التي ضربت البلاد بدءاً من العام 2019 الى جانب جائحة كورونا، والتبعات التي خلفتها وما سببته على مختلف الصعد، أظهرت كما يقال عند الشدائد معادن الناس الحقيقية. فخلال هذه السنوات الثلاث، وخصوصاً في فترة الاقفال وانتشار كورونا، وبعد تزايد حدة الصراعات والاختلال في توازن العدالة الاجتماعية، كان التضامن والتكافل والتماسك الاجتماعي بين المواطنين وأبناء المجتمع الواحد ظاهرة في العديد من المواقف، فاللبناني يسعى دائماً الى تجاوز هذه المصاعب والتعايش مع الأزمات، لا سيما أن تلك الفترة أدت الى تفكك أسري نتيجة عدم القدرة على تحمل المسؤوليات، وارتفاع نسب الطلاق والعنف والبطالة والتسرب المدرسي.

يشير رامي (27 عاماً) في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أنه فقد عمله في احدى شركات الصيانة مع بداية جائحة كورونا، خصوصاً أن أوضاع البلاد لم تكن على ما يرام بسبب الاضرابات والتظاهرات التي كانت تعم بعض الساحات، فضلاً عن بداية تفجر الأزمة الاقتصادية.

ويضيف: “أنا المعيل الوحيد لعائلتي المكونة من أمي وإخوتي الصغار، وعندما خسرت عملي، عانينا من ضائقة اقتصادية، حتى طلب مني بعد أسابيع قليلة، صاحب دكان الحي العمل معه، وايصال البضائع الى الزبائن دليفري مستغلين فترة الاقفال، الى أن تمكنت بعد ذلك من إيجاد وظيفة جديدة”.

اما هبة (35 سنة) المتزوجة منذ 10 سنوات، ولها طفلتان تبلغان من العمر 6 سنوات، فتؤكد أن اللجان والجمعيات الأهلية في قريتها لم تتركها خلال هذه الفترة الصعبة، خصوصاً أن زوجها سائق أجرة، واضطر في ذلك الوقت الى التوقف عن العمل بسبب الاقفال وأزمة المحروقات.

وتؤكد الهام (50 عاماً) أن فترة الاقفال كانت فرصة لتحسين العلاقة بأختها الأكبر منها سناً سناء، التي طلبت منها المجيء والمكوث عندها في المنزل كونهما وحيدتين لترعاها، لأن سناء ليس لديها معيل، معتبرة أنه أحد القرارات المهمة التي اتخذتها في حياتها، لأن العزلة قد تزيد من احتمال الاصابة بمرض الخرف لدى كبار السن تحديداً في ظروف صعبة كهذه، لذلك الروابط الاجتماعية لها تأثير على صحة الانسان.

عادل (اسم مستعار) يقول: “تكفلت بعائلات عدة خلال هذه الفترة، من خلال تأمين احتياجاتها من مأكل ودفع ايجار المنزل أو فاتورة اشتراك المولد، من دون أن تعرف من الفاعل”.

وعلى صعيد الجمعيات واللجان الأهلية، يؤكد أحمد وهو أحد الناشطين في هذه الجمعيات، أن “الدنيا بعدا بألف خير، فخلال هذه الفترة الصعبة، كان لنا دور فاعل في تخفيف الأعباء عن أكبر عدد من المواطنين، وذلك من خلال إجراءات اتخذناها في سبيل تعزيز التعاضد والتلاحم بين الناس، وبين الميسورين ومن يحتاجون الى المساعدة”.

وعن هذه الاجراءات، يوضح “أننا عملنا لتأمين قسائم مالية من الميسورين ووزعناها بطريقة عادلة على الأسر المحتاجة ومن تأثرت بصورة كبيرة بسبب كورونا والأزمة الاقتصادية، الى جانب تأمين حصص غذائية وتوزيعها”.

وبالنسبة الى الشق الصحي والطبي يقول: “الى جانب تأمين أدوية بديلة وبسعر رخيص، أطلقنا حملة لجمع الدواء من المنازل وتوزيعه على المحتاج، فمن لديه دواء لا يلزمه قد يلزم غيره، وبذلك تمكنا من التخفيف عن أكبر عدد من المواطنين خلال الأزمة، فضلاً عن القيام بحملات لفحص السكري والضغط مجاناً، وفتح أبواب مركز الجمعية أمام الأطباء للقيام بمعاينات مجانية”.

وتشير أستاذة في علم الاجماع في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أن “الشعب اللبناني أظهر خلال الأزمة أنه شعب محب ويساند بعضه البعض، والجميع قلب واحد خلال الشدائد، ومن خلال وقوفهم صفاً واحداً أظهروا معنى التكافل والتعاضد، فهذه الأزمة أوجدت حالة من التعاون بين الأقارب والجيران حتى من لا يعرفون بعضهم البعض”.

ولاحظت أن “هذه الأزمة أعادت الروابط والعلاقات الاجتماعية الى الواجهة بعد سيطرة السوشيل ميديا على حياتنا اليومية، فالتعاون والتعاضد اللذان شهدناهما خلال هذه الفترة يلعبان دوراً أساسياً في توطيد العلاقات بين المواطنين في المجتمع الواحد وبين أفراد العائلة نفسها، ولعل أهمها الترابط الأسري الذي يعد نقطة الانطلاق لبناء مجتمع متماسك”.

شارك المقال