حضانات الأطفال… “رفاهية” مكلفة تعيد ترتيب الأولويات

جنى غلاييني

لطالما شكّلت حضانات الأطفال ارتياحاً نفسياً للأهل الذين يعملون بدوام طويل، لأنّها تؤمّن العناية المطلوبة لأطفالهم وتعتني بهم وبأكلهم وبصحتهم بتكلفة كانت تُعد مقبولة سابقاً. لكن مع بدء الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار وما رافقه من ارتفاع في كل المواد الاستهلاكية وغلاء المعيشة، باتت هذه الحضانات للأغنياء وميسوري الحال، لأنّ التكلفة الشهرية باتت توازي راتب الأم والأب معاً، لذا، اختارت أمهات كثيرات التخلّي عن عملهن والبقاء مع أطفالهن للعناية بهم في المنزل طالما أنّ ما سيدفعنه على الحضانة سيلتهم راتبهن بالكامل.

الأزمة الاقتصادية لم تؤثّر على الأهل فقط، بل حتّى على الحضانات التي أقفل بعضها أبوابه بسبب عدم التمكّن من الاستمرار في ظل الغلاء الفاحش وارتفاع تكاليف الفواتير، فكانت النتيجة توقف أكثر من 100 حضانة، فلا هي قادرة على دفع فواتيرها التشغيلية ولا الأهل باستطاعتهم دفع المزيد من رسوم التسجيل.

وفي حديث مع عدد من حضانات الأطفال في بيروت، لاحظنا التفاوت في تعرفة التسجيل الشهرية، فعند البعض تبدأ بـ 40 دولاراً لتصل الى 100 دولار، وتتضمّن العناية بالأطفال في أيام الأسبوع فقط مع طعام، والدوام يبدأ من 8 صباحاً حتّى الواحدة أو الثالثة بعد الظهر. وهذه الحضانات التي تعتمد التسعيرة التي يعتبرها البعض زهيدة لا تقيم أي نشاطات للأطفال ولا تتضمن أي منهج دراسي، وهناك حديقة ألعاب يلهون فيها ويكتفي المشرفون بالعناية بهم. وتعتبر هذه الحضانات مناسبة بعض الشيء للأمهات اللواتي يسعين الى تأمين لقمة عيشهن ومعاونة أزواجهنّ في مواجهة الأوضاع المعيشية المتردية.

أما الحضانات التي تعتمد تسعيرة مرتفعة جدّاً، فتبدأ تعرفة التسجيل في بعضها من 200 دولار وصولاً الى 400 دولار، عدا المبلغ الذي تتقاضاه بالليرة اللبنانية الى جانب الدولار. وهذه الحضانات تجد في هذه التسعيرة إمكانية مؤقتة لاستمرارها في العناية بالأطفال على أكمل وجه، وتشمل النشاطات اليومية وتعليم الأطفال منهجاً دراسياً يناسب أعمارهم، اضافة الى توفير الفطور والغداء والسناك لهم، وبهذه التعرفة تتمكن من سداد فواتير اشتراك الكهرباء وتأمين المياه وكل ما يلزم الحضانة من ألعاب الى مستلزمات النشاطات والتعليم والطعام، فضلاً عن دفع رواتب الموظفين.

ولكن على الرغم من التكلفة الباهظة لتلك الحضانات، إلّا أنّ هناك مشكلات تعاني منها، بحيث يجد البعض صعوبة في سداد كامل الفواتير، وعدم تلبية مطالب الموظفين بزيادة رواتبهم، وشكاوى الأهل من التكلفة المرتفعة، وبحسب احدى الحضانات فان عدد الأطفال ينقص شهرياً بسبب تراجع الأهل عن تسجيلهم لفترة جديدة، وهذا يؤثّر على استمرارية عمل الحضانة.

تروي سامية.ر، وهي أم لطفل عمره سنة ونصف السنة وتعمل في شركة مبيعات، واقعها الحالي ومعاناتها في إبقاء طفلها في الحضانة: “أعمل بدوام جزئي ينتهي عند الساعة الثانية بعد الظهر، في هذا الوقت يكون طفلي في الحضانة التي أدفع لها شهرياً 150 دولاراً فريش، ولا تفعل شيئاً إلّا الاعتناء به وإطعامه اضافة الى اللعب بالألعاب الى حين انتهاء عملي. لكنني أجد صعوبة كبيرة في ظل الظروف التي نعيشها في أن أدفع هذا المبلغ شهرياً الى جانب شراء الحليب والحفاضات لطفلي والعديد من الأمور الأخرى التي تطرأ فجأة، فأنا لا أتقاضى إلّا 250 دولاراً وثلاثة ملايين ليرة فقط، أمّا زوجي فلا أطلب منه المال لأنّه يخصصه لمصروف البيت. بت أجد صعوبة في ابقاء طفلي في الحضانة نظراً الى التدهور المستمر في الوضع الاقتصادي وقرار الحضانة زيادة رسوم التسجيل للشهر المقبل. وعلى ما يبدو فإمّا سأتخلّى عن عملي وأتفرّغ للاهتمام بطفلي أو سأبحث عن بديل كالاستعانة بجليسة أطفال ترعاه في غيابي”.

أمّا آنجي.م، وهي أم لطفل يبلغ من العمر سنتين، كانت تعمل سابقاً في إحدى الشركات التجارية فتقول: “خسرت وظيفتي بعدما وجدت أنني غير قادرة على وضع طفلي في حضانة الأطفال التي كنت أدفع لها 200 دولار شهرياً، فلجأت حينها الى وضعه لدى أهل زوجي ولكن الى متى سيستمر هذا الوضع؟ لذا وجدت الحل الأنسب أن أبقى الى جانبه وأعتني به الى حين استقرار الوضع الاقتصادي، فإذا تحسّن أعود بالطبع الى عملي، أمّا في حال العكس فسأبقى مع طفلي، لأن ليس لدي حل بديل”.

شارك المقال