فاتن حمامة… 8 سنوات على رحيلها وما زالت “سيدة الشاشة”

زياد سامي عيتاني

صادف يوم الثلاثاء الماضي (17 كانون الثاني) الذكرى الثامنة لرحيل الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، تاركة مسيرة فنية طويلة، قدمت خلالها ما يقرب من 100 عمل فني بين السينما والدراما، تربّعت فيها على عرش النجومية، لتلقّب عن جدارة بـ “سيدة الشاشة العربية”، كما شكّلت أهمّ ثنائية في تاريخ الفن العربي بين نجمين بعد زواجها من الممثل عمر الشريف.

فاتن حمامة كانت سيدة الأدوار المختلفة، ولا سيّما أدوارها في السبعينيات، التي كانت تناقش قضايا المرأة وتساندها، مثل “إمبراطورية ميم”، و”أريد حلاً”، و”أفواه وأرانب”، الذي كان يناقش قضية الانفجار السكاني في وقته، وحصلت نظير قيامها ببطولته على تكريم من الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب ما أحدثه من صدى كبير في الشارع المصري، خصوصاً وأنّ الفيلم ظل 19 أسبوعاً كاملة في دور العرض.

اشتهرت بالالتزام، وحبّ العمل، والاحساس العالي بزملائها، لإيمانها بأنّ العمل الفني عمل جماعي، ولا يمكن لأيّ ممثل مهما بلغت براعته أن ينجح بمفرده.

البداية في حفل مدرسي:

قبل أن تكمل عامها السابع، إستعان بها والدها الذي كان موظفاً كبيراً في وزارة التربية والتعليم في مدينة المنصورة، في حفل تكريم أحد المديرين الجدد، بحيث أعدّ زجلاً للترحيب به، وقام بتحفيظه لها، وخلال الحفل ألقته بطريقة تمثيلية رائعة نالت إعجاب الحاضرين.

بعدها ذاع صيت الطفلة، وأصبحت خطيبة كلّ حفل يقام في المنصورة، ثمّ شاركت في مسابقة للأطفال خاصة بالأزياء، وهي ترتدي زي ممرضة، وطلب منها المنظمون أن تتخيّل شخصاً مريضاً، وحين سمعت كلمة مريض إنهمرت الدموع من عينيها، والتقطت لها صورة وهي تبكي في هذه اللحظة.

أولى أدوارها طفلة أمام عبد الوهاب:

كانت صورة الممرضة سبباً في التحاقها بعالم التمثيل، بعدما شاهدها المخرج محمد كريم، فاختارها لتجسد مشهداً واحداً في الفيلم الغنائي الاستعراضي “يوم سعيد” أمام محمد عبد الوهاب، وكان ثالث أفلامه بعد “الوردة البيضاء”، و”دموع الحب”.

وكتب الفنان عبد الوارث عسر سيناريو الفيلم بتكليف من محمد كريم. ذهبت فاتن إلى الأستوديو وجسدت المشهد، وفوجئ الجميع بتلقائيّتها وموهبتها الكبيرة، وصفقوا لها طويلاً. واتفق المخرج مع عسر على إضافة عدد من المشاهد لدور “أنيسة”، وهو إسمها في الفيلم الذي كاد يسبّب لها أزمة، بحيث كانت زميلاتها بعد عرضه في العام 1940 ينادينها في المدرسة بهذا الإسم.

الالتحاق بمعهد التمثيل:

قرّر عبد الوهاب الاستعانة بها في فيلمه التالي “رصاصة في القلب” الذي قدّمه في العام 1944، وأعجب بها الفنان يوسف وهبي، بعد مشاهدتها في الفيلم، وأشركها في فيلمي “ملاك الرحمة” و”القناع الأحمر”.

تزايد نشاط فاتن الفني، مما جعل أسرتها تقرّر الانتقال إلى القاهرة، واستقرت فيها، والتحقت بمعهد التمثيل في دفعته الأولى، بعدما أسّسه الفنان زكي طليمات، وتحوّلت عفوية الأداء التي اشتُهرت بها إلى مدرسة فنية، من دون أن تخضع للمعايير التقليدية للبطلة آنذاك.

تنوّع الأدوار والشخصيات:

تنوّعت أدوار فاتن حمامة، لتجسيد شخصيات نسائية مختلفة بين المدينة والريف؛ ففي فيلم “الباب المفتوح” (1963)، قدمت دور الفتاة الثائرة (ليلى)، التي تشارك في المظاهرات ضد المستعمر، لتقابل صديق أخيها الثوري وتعجب به.

وكما فعلت في “دعاء الكروان”، جسدت أهمّ الأدوار النسائية في روايات كبار الأدباء، فهي عاملة التراحيل (عزيزة) ضحية الاعتداء في فيلم “الحرام” (1965) عن رواية يوسف إدريس، والعاشقة (منى) في “بين الأطلال” (1959) عن رواية يوسف السباعي.

كما جسّدت شخصيات بطلات الأديب إحسان عبد القدوس المتمردات في أفلام مختلفة، مثل “لا أنام” (1957)، “الطريق المسدود” (1958)، “لا تطفئ الشمس” (1961)، “الخيط الرفيع” (1971)، وتألّقت في دور الأم في “إمبراطورية ميم” (1972) حيث تتحمّل مسؤولية تربية أولادها الستة بجانب عملها في وزارة التربية والتعليم، لتقع في حب رجل أعمال، فهل يمكن أن تجمع بين الحب ورعاية أسرتها؟

جائزة أعظم ممثلة:

في نهاية خمسينيات القرن الماضي، قدّمت فاتن حمامة أعظم أدوارها في فيلم “دعاء الكروان” عن قصة عميد الأدب العربي طه حسين وإخراج هنري بركات، ولعبت فيه دور الفتاة الريفية (آمنة) التي تلتحق بخدمة مهندس الري في القرية، كي تنتقم لدم أختها التي وقعت في حبّه وتسبّب ذلك في قتلها، لكنّ آمنة لا تقوى على الانتقام.

حصلت على جائزة أعظم ممثّلة في الشرق، وكادت أن تحصل على جائزة أعظم ممثلة في العالم، في مهرجان برلين، وكانت العقبة الوحيدة التي واجهتها هي أنّها أفريقية، ولو كانت نجمة أوروبية لنالت الجائزة بالحماسة نفسها التي استقبلتها بها الجماهير عندما ظهرت على المسرح في حفلة عرض فيلم “دعاء الكروان”.

لقب سيدة الشاشة العربية:

“ألو ألو… إحنا هنا… ونجحنا أهو في المدرسة… بارك لنا وهاتلنا وياك هدية كويسة”.

تقف فاتن حمامة إلى جوار الفنانة شادية، تغنيان معاً من كلمات فتحي قورة وألحان منير مراد، في فيلم “موعد على الحياة” (1953)، وبعد النجاح الكبير للفيلم وإحتفاء النقاد به، لقبوها بـ “سيدة الشاشة العربية”، وصار عليها أن تنتقي أدوارها بعناية وتدافع عن اللقب لعقود بعدها.

على الرغم من مضي ثماني سنوات على رحيل فاتن حمامة، أيقونة الفن المصري وعلامته الفارقة، ما زالت في وجدان المشاهدين العرب “سيدة الشاشة”، من دون أن تتمكّن أيّ من نجمات اليوم من انتزاع لقبها، لما كانت تتمتّع به من موهبة وذكاء، مكّناها من إختيار أدوارها بحرفية شديدة، فضلاً عن أدائها المميز في كلّ الأدوار والشخصيات المختلفة والمتباعدة التي أدتها بإحترافية عالية وتلقائية صادقة، ستبقيان النموذج الذي يحتذى به، لمن يبحث عن الفن الراقي واللائق والأنيق.

كلمات البحث
شارك المقال