اللبنانيون يتسوّلون… في بلد القهر!

جنى غلاييني

أدت سنوات من عدم الاستقرار السياسي إلى جانب الأزمة الاقتصادية المستمرة والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 إلى اقتراب البلاد من الانهيار الكامل.

ولم نكن نشهد في لبنان إلاّ نادراً أشخاصاً يطلبون المساعدة في أبسط الأمور، أو يمدون يدهم الى الآخرين للحصول على مبلغ ولو قليل من المال لتأمين لقمة العيش أو حبة دواء بعدما أوصلتهم الأوضاع المعيشية الخانقة الى “الشحادة” التي ليست من طبعهم ولا من عاداتهم، لأن المعروف أنّ كرامة اللبناني خط أحمر بالنسبة اليه ويعمل بشتّى الطرق ليل نهار ليسدّ حاجاته ولا يحتاج أحداً.

في هذه الضائقة الصعبة على الجميع باتت ظاهرة الفقراء أو أولئك الذين أصبحوا ما دون خط الفقر، منتشرة في الشوارع فتراهم يفترشون الأرصفة في مختلف المناطق ليؤمّنوا الحد الأدنى من معيشتهم أي الأكل والشرب. وهذا ما تشهده بيروت وشوارعها، فإلى جانب عدد المتسولين من الجنسية السورية، هناك آخرون من اللبنانيين الذين يتخذون زاوية معينة في احدى المناطق وينتظرون من المارّة مد يد العون لهم.

تروي هبة س.، القاطنة في مار الياس، والتي تذهب كل يوم الى عملها سيراً على الأقدام لـ”لبنان الكبير”، أنها لاحظت في الشهرين الماضيين متسولين لبنانيين، وتقول: “اعتدتُ حين ذهابي الى العمل أن ألتقي بمتسولين سوريين يجلسون على الأرض منهم من يردد الأدعية للمارة ومنهم من يكون مريضاً غير قادر على الحراك، أما في الفترة الأخيرة فصرت أشاهد بعض المتسولين اللبنانيين الذين يقفون منتظرين المساعدة وهم مترددون من طلبها في الوقت عينه. هناك رجل مسن يبيع علب محارم للمارّة، وجدته منذ يومين واقفاً في المكان نفسه ولكن يديه خاليتان، فاقتربت منه، وسألته لماذا لا يبيع المحارم، فأجابني بأنّه لا يملك المال الكافي لشرائها ومعاودة بيعها، وأخبرني أنّه من بيروت ويقطن في منزل إيجار بغرفة صغيرة وحده ولا يملك المال أيضاً ليدفع لصاحبه ولولا مساعدة عدد من شباب منطقته لما استطاع البقاء فيه، ونظراً الى كبر سنه لا يجد الوظيفة التي يستطيع من خلالها تأمين رزقه، فلجأ الى التسول لتأمين بعض المال الذي يمكنه من شراء ما يأكله ويشربه”.

وتضيف: “على الرصيف نفسه أوقفتني سيدة منذ أيام لا يبدو عليها أنها متسولة، وعرفت أنّها لبنانية من لهجتها، وكانت متردّدةً في البداية في ما ستطلبه وهي تشعر بالخجل، فأخرجتْ من جيبها وصفة طبية وعلبة دواء خالية وطلبت مني المساعدة بمبلغ بسيط من المال لتأمينه لابنها، وحين سألتها لماذا تتسول أجابتني بأنّها مطلّقة وتعيش وابنها مع والدتها، وهي بالفعل تعمل في التنظيف بدوام ليلي ولكن راتبها لا يكفيها لأن تؤمّن لقمة العيش لهم جميعاً ومضطّرة للتسوّل لكي تستطيع الاستمرار في ظل الأزمة الاقتصادية”.

وفي حديث مع الاختصاصية في علم الاجتماع مي مارون، تشرح ظاهرة التسوّل لدى اللبنانيين بالقول: “هناك نوعان من المتسولين، النوع الأول هو فئة الشباب التي تجد التسوّل أسهل من العمل، والنوع الثاني من فئة المسنين الذين هم بحاجة فعلية الى المساعدة”.

وتشير الى أن “ظاهرة تسوّل اللبنانيين لا سابق لها، فنجد العديد منهم في شوارع بيروت يحملون ورقة كبيرة كتب عليها إمّا مكسور على إيجار بيت، وإمّا يحتاج الى تأمين أدوية، ونظراً الى تردّي الأوضاع المعيشية وانهيار الوضع الاقتصادي من الطبيعي أن يلجأ اللبناني المحتاج الى التسوّل، وإذا استمر الوضع في الانحدار نحو الأسوأ فستتدهور الحالة الاجتماعية أكثر فأكثر، وستزداد أعداد المتسولين وحالات السرقة والعاطلين عن العمل”.

شارك المقال