سهل البقاع يلفظ أنفاسه…والأمن الغذائي في خطر

راما الجراح

لطالما وصف سهل البقاع بـــ “إهراءاتِ روما”، لكنه اليوم يتلقى ضربات موجعة مع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، بعد ترنحه خلال السنوات الماضية نتيجة إقفال المعابر إلى خارج الحدود، وارتفاع كلفة التصدير عبر البحر، واهمال متراكم لمعالجة الملف الزراعي من قبل الحكومات المتعاقبة.

وعلى الرغم من حيوية القطاع الزراعي في لبنان، الذي يمكنه تأمين الموارد اللازمة للعيشِ بأمان، الا أن غياب الإستراتيجيات اللازمة لدعمه يهدد اللبنانيين بالجوع بعد ان كان يؤمن لهم الشبع، فلم يصدر أي قرار ذي شأن لحل المشكلات التي يعانيها من قبل الحكومة التي تصرّف الاعمال اليوم، ويبدو أن دعوة “حزب الله” الى “الجهاد الزراعي” لتفادي صعوبات الوضع المعيشي كانت مجرد “تطيير فيولة” كما يقول المثل العامي.

تلوث الليطاني يمنع الري

مزارعو البقاع الغربي والأوسط، هم الأكثر تضررا من تجاهل دعم هذا القطاع، بسبب الأضرار التي سببها “مجرور” الليطاني. فبعدما كان نهر الليطاني مقصداً لطالبي الراحة والاستجمام، ومقصداً لهواة الصيد، تحول الى مجرى صرف صحي مكشوف، إذ تتدفق المياه الملوثة الى النهر بمقدار يصل سنوياً إلى ٤٧ مليون متر مكعب، وبسبب تقاعص الجهات المعنية عن تطبيق القانونين ٦٣ و٦٤ للعام ٢٠١٦ المتعلقين بمعالجة مشكلة الصرف الصحي من خلال قروض خارجية، أصبحت ضفاف النهر خطرا بيئيا على الأهالي بعد تحولها الى مكبات لنفايات القرى المتاخمة، اختفت معها جلسات المروج الخضراء وأفياء الصفصاف.

ولم يكف المزارع البقاعي عدم دعم القطاع وغياب خطة لترشيد الزراعة وتصريف الإنتاج، فجاءت التقلبات المناخية هذه السنة لتؤثر على حجم المحصول ونوعيته، ومع قرار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمنع ري المزروعات من مياه الليطاني وروافده في نطاق محافظتي البقاع وبعلبك ــــ الهرمل “لأن مياهه لا تزال غير مطابقة للمعايير الجرثومية لاستخدامها لري المزروعات”، بحسب معايير منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، بقيت الوسائل البديلة للري كحفر آبار ارتوازية أو إيجاد زراعات بديلة غير متوفرة،

إرتفاع كلفة حفر الآبار 

ويلفت المهندس الزراعي خير الجراح في حديث الى “لبنان الكبير” الى ان مشكلة الري كبيرة في منطقتي المرج وبر الياس “فهما كانتا ترويان من نهر الليطاني الملوث وتفتقدان لوجود آبار ارتوازية فيها، ولذلك يتجه اغلب المزارعين فيهما الى زراعة القمح والحبوب أو الشعير فقط”.

ويؤكد أن “سبب تلوث الليطاني يعود إلى البلديات والمعامل ولا مسؤولية للمزارع في هذا الامر”، موضحا أن “الدولة كانت تسعى بحكم الأمن الغذائي الى زراعة مساحات واسعة تقع على ضفاف النهر، ونحن كنا ضد زراعة أي نوع من الخضار، كالبطاطا مثلا، بسبب التلوث الحاصل للمياه، ولذلك طالبنا بالزراعات العلفيّة (كالفصّة والذرة..) حتى تستعمل للأبقار، فحتى في الدول الأوروبية يتم ري هكذا مزروعات من المياه المبتذلة”.

ويشير الى “عدم وجود آبار ارتوازية قريبة، حتى يتم استجرار مياه منها، وكلفة حفر آبار ارتوازية جديدة عالية جداً اليوم، فأسعار القساطل بالدولار، ويصعب على المزارعين تأمين كلفة الحفر الذي يحتاج الى ما يقارب الـ  ٣٥٠ متراً للوصول إلى المياه الجوفية”.

الدعم للتاجر والمزارع ينتظر بطاقته

ويقول: “معاناة المزارعين البقاعيين تفاقمت مع اشتداد الأزمة في لبنان، فالبعض منهم كان لديه القدرة على تأمين جزء من “الأسمدة الزراعية” المدعومة، لكن الغالبية منهم لم تستطع تأمينه، إضافة الى ارتفاع سعر “ضمان الأرض”، وانعدام دعم الجذور والشتول حتى يتسنى للمزارع شراءها بأسعار مناسبة”.

ويوضح أن “المزارع لا يستطيع الزرع أكثر من موسمين متتاليين للحاجة الملحة، ففي الموسم الثاني تنخفض الإنتاجية، واذا قام المزارع بتجديد موسم ثالث تنخفض أكثر فأكثر، ولا يعود هناك جدوى اقتصادية، فالكلفة تصبح كبيرة جداً مقابل انتاج الموسم”.

وعن الحل، يجيب: “نحاول اليوم التواصل مع مصلحة الأبحاث الزراعية للتقدم بطلب السماح للزراعات العلفية هذا العام أو العام المقبل على ضفاف النهر لأنها أصبحت حاجة مُلحة تؤمن مدخولا جيدا للمزارع”، داعيا وزارة الزراعة إلى “النظر في أحوال المزارعين ووضع رؤية حتى يستطيعوا الاستمرار، فالأمن الغذائي بخطر ونحن سنعاني خلال السنوات الخمس المقبلة كثيرا، من هنا على الدولة تنظيم عمل المزارعين ودعمهم مباشرة من خلال اصدار البطاقة الزراعية، وليس عبر دعم التاجر لأن قسم كبير من المواد التي تأتي للتاجر يتم استغلالها، لعدم وجود رقابة من وزارة الاقتصاد ومتابعة للتسعير”.

أسعار الخضار ستحلق

ويشدد على أهمية “إجراء مسح دقيق للمساحات”، معتبرا استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا سيؤدي الى “صعوبة في تأمين الخضار للمستهلك وسترتفع الأسعار بطريقة خيالية نتيجة ذلك”.

آن الأوان للخروج عن المألوف، فالسنوات تمضي والمسؤولون يدورون في حلقة مفرغة، يستمرون بمهاتراتهم التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، فيما الملوِّثون يواصلون عدوانهم على النهر دون رادع أو وازع، والزراعة التي تفاقمت مشكلاتها مع بداية الثورة السورية بعد قطع شريان الحياة لتصدير المنتجات، مهددة بالزوال، وعليه لا بد من إجراءات إنقادية كي لا يلفظ القطاع الزراعي الذي يؤمن لقمة العيش لــ ٤٠٪ من اللبنانيين أنفاسه الأخيرة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً