ورق وداما وطاولة… “لَمّة” أيام زمان

حسين زياد منصور

إشتهرت المقاهي الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية، وليس فقط في المدن، التي تميزت بمقاهيها المشهورة، التي ترتادها نخب ثقافية وسياسية وثورية، تجتمع تارة للتسلية، وتارة أخرى للعمل وادارة حلقات نقاش وتواصل بينها وبين الموجودين.

هذه المقاهي الشعبية لا تزال منتشرة على الرغم من كل التطور الذي عرفه العالم، وظهور الكافيهات العصرية وما تقدمه من مشروبات وخلطات واختراعات جديدة.

بالقرب من منزلي، هناك مقهى يسمى “استراحة” في بعض الأحيان، عمره أكثر من 25 عاماً، في كل ليلة، صيفاً وشتاء، يعج بـ “السهيرة” من مختلف الأعمار، لكن الفئة الأكبر هي من كبار السن والمتقاعدين، الذين أنهوا خدمة عملهم ووجدوا في هذا المكان ملتقى لجمعهم وتسليتهم.

وعلى وقع الصراخ والضحكات، والشتائم ورائحة النرجيلة تحلو “برتيات” الورق وجولات الطاولة، والتي يستمر عدد منها حتى ساعات الفجر.

يقول أبو فادي، وهو من رواد المقهى منذ سنوات: “أنا متقاعد، (ما في وراي شي لا مسؤوليات ولا من يحزنون)، ما الذي سأفعله في المنزل وحدي؟ أجلس هنا مع الأصدقاء والجيران ونتسلى كما أيام زمان، على الرغم من التغيير الكبير الذي حصل، وأن أيام زمان كانت أجمل، ولكن لَمّة الأصحاب والورق والنرجيلة لها طعم خاص”.

على طاولة أبو فادي، يجتمع جيرانه وزملاؤه المتقاعدون، ويخوضون جولات من ألعاب الورق على أنواعها، وفي صدارتها الـ “400” و”الطرنيب” و”الليخة”، ومع بداية اللعبة ينعزلون عن العالم ويركزون فيها ولا يقطع هذا التركيز سوى النرجيلة أو الشاي. يتجمع حولهم من في الاستراحة بعد أن يبدأوا بالحدة والغضب و”التزريك” لبعضهم البعض في حال الخسارة مترافقة مع الشتائم بأصوات عالية ورمي ورق اللعب تارة على الطاولة وتارة أخرى على الأرض.

على الطاولة المجاورة، يجلس أبو علي، سائق تاكسي سبعيني، لا يدخن النرجيلة، لكن فنجان “النيسكافيه” جزء لا يتجزأ من روتينه اليومي في المقهى، يلعب “الداما” مع جاره أبو خليل، ودائماً يفوز، ويخبرني عن حيل يقوم بها أثناء اللعب لضمان فوزه الدائم، مثل إخفاء بعض الأحجار من دون أن ينتبه خصمه.

يؤكد علاء مالك المقهى، أن استراحته لا تزال ملقى الأصدقاء والأحبة لتبادل الأحاديث ولعب الورق والطاولة، وأن هذه “الجَمْعات” التي تحصل، بين الأصدقاء والجيران والعائلة الواحدة، على الرغم من الأزمات التي يمر بها لبنان منذ العام 2019 وارتفاع سعر صرف الدولار والأسعار كذلك وغلاء المحروقات وجائحة كورونا، تدل على قدرة اللبناني على الصمود والاستمرار.

يضاف الى هذه الفئة التي تعتبر “زبوناً دائماً”، الشباب، الذي نزح من المقاهي العصرية الى الاستراحات التقليدية والشعبية، وذلك لأسباب عدة بحسب رامي، أحد الشبان الذي بدأ السهر مع أصدقائه حديثاً في هذا المقهى، وأبرزها على حد قوله الأزمة الاقتصادية ورفع الأسعار بصورة دائمة أي الفاتورة المرتفعة.

ويقول: “هنا نأخذ راحتنا أكثر، وكل شيء متوفر، قهوة، نرجيلة، شاي…، والأسعار أرخص، وما نصرفه هنا في 5 جلسات نصرفه في تلك المقاهي خلال سهرة واحدة، والى جانب كل ذلك، هذه الاستراحات تقدم سناك لذيذاً ونظيفاً بأسعار مقبولة، وألتقي شبان الحي والأصدقاء، ونقضي الوقت في لعب الورق على أنواعه ومؤخراً الجاكارو، وأحياناً نصل الليل بالنهار من دون أن نشعر”.

ويشير علاء صاحب المقهى الى أن الديكور “القديم” في هذه الاستراحات والمقاهي لا يزال يجذب كل فئات الناس، صغاراً وكباراً، أغنياء وفقراء وطبقة وسطى. ويوضح أن “الفاتورة هي العامل الأساس ولا يمكن نسيان ذلك، الى جانب التيار الكهربائي، الذي دفع كبار السن والشباب الى الهروب من منازلهم بسبب انقطاعه، وسوء خدمات الانترنت أيضاً، كل ذلك يجعل الناس تأتي الى هنا، خصوصاً أن الكهرباء لدينا 24/24، بوجود المولدات الخاصة، واشتراك الانترنت الجيد”.

شارك المقال