من المسؤول عن حماية الأشخاص ذوي الاعاقة؟

ليال نصر
ليال نصر

الحماية الاجتماعية عموماً هي مجموعة من البرامج التي تهدف إلى منع أوجه الضعف الاقتصادي والاجتماعي والحد منها. ومع ذلك، فإن البرامج المنفذة تختلف باختلاف البلدان.

بالنسبة الى لبنان، تم تطوير التعريف الوطني للحماية الاجتماعية من خلال المشاورات الوطنية مع مختلف أصحاب المصلحة الحكوميين وغير الحكوميين، استناداً إلى تعريفات الحماية الاجتماعية في الأدبيات الدولية، والتكيف مع السياق المحلي.

وفي حديث مع “اليونيسف” لموقع “لبنان الكبير” تم التأكيد أنه وبناء على هذه المشاورات، وضعت استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية بين العامين 2020 و2021، اعتمدها مجلس الوزراء في أيار 2022 وفقاً للقرار 69. وتنص هذه الاستراتيجية على أن التعريف الوطني للحماية الاجتماعية في لبنان هو: “الحماية الاجتماعية حق للمواطن اللبناني، يجب على الدولة تأمينه وضمانه من خلال سياسات وبرامج وآليات شاملة ومنهجية تمكنه من العيش بكرامة واستقلالية، والصمود في مواجهة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية في مختلف مراحل الحياة”.

الحماية الاجتماعية حق من حقوق الانسان للجميع. إنه أمر حيوي خصوصاً لحماية الأشخاص الذين يواجهون نقاط ضعف محددة في مراحل مختلفة من حياتهم، مثل تربية الأطفال أو الاعاقة أو للأشخاص المسنين.

مبادئ استراتيجية الحماية الاجتماعية وركائزها

تم تطوير الاستراتيجية الوطنية الجديدة للحماية الاجتماعية بناء على مجموعة من المبادئ التوجيهية للبنان، بهدف التحرك نحو إطار حماية اجتماعية قائم على الحقوق وشامل ومستجيب للصدمات ومستدام مالياً للبلاد.

وتتألف الاستراتيجية من خمس ركائز هي: المساعدة الاجتماعية، التأمينات الاجتماعية، الرعاية الاجتماعية، الحصول على الخدمات المالية الأساسية، والادماج الاقتصادي وتفعيل العمل.

تستخدم الاستراتيجية نهج دورة الحياة ويكون محورها الانسان، وتقوّم نظام الحماية الاجتماعية وقدرته على معالجة الحالات الطارئة التي قد يواجهها الانسان خلال مراحل حياته من الطفولة الى سن العمل فالشيخوخة.

لماذا لم تنفذ بعد؟

تقدم وثيقة الاستراتيجية بشكلها الحالي رؤية مفصلة للبنان للتحرك نحو نظام حماية اجتماعية وطني شامل ومستجيب للصدمات. ويمكن تنفيذ بعض عناصر الاستراتيجية في المدى القصير، وبعضها في المدى المتوسط، وبعضها الآخر على مدى إطار زمني أطول.

قدمت وثيقة الاستراتيجية إلى الحكومة في كانون الأول 2021، ووافق عليها مجلس الوزراء في أيار 2022. ومع ذلك، جاءت الموافقة مع توصية إلى اللجنة المشتركة بين الوزارات للشؤون الاجتماعية لتحرير الوثيقة لتعكس السياق. وتتمثل الخطوة التالية في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية. عادة، وبمجرد إطلاق الاستراتيجية، فإن الخطوة التالية تكون تطوير خطة التنفيذ، جنباً إلى جنب مع خطط التمويل والتكاليف.

وفي الوقت نفسه، يجري بالفعل تنفيذ عدد من التدخلات من الاستراتيجية المعتمدة قيد الاعداد مثل التوسع المستمر في برنامج الفقر: البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً – “حياة” المرتبط بالمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19 في لبنان – “أمان”، فضلاً عن إنشاء منح اجتماعية في لبنان مثل برنامج “البدل النقدي للأشخاص ذوي الاعاقة” التي تم الانتهاء من تصميمها ومن المتوقع أن يبدأ العمل بها قريباً، و”البرنامج الوطني لمنحة الطفل” التي يجري تصميمها حالياً.

دور “اليونيسف” ومساهمتها لتنفيذ الاستراتيجية

منذ العام 2019، تقدم “اليونيسف”، بالاشتراك مع منظمة العمل الدولية، الدعم الفني للحكومة اللبنانية طوال عملية تطوير الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، وستواصل تقديم هذا الدعم للمضي قدماً نحو مرحلة التنفيذ.

وبالتوازي مع ذلك، أحرز تقدم في تعزيز نظام المساعدة الاجتماعية بحيث تم التوصل إلى توافق وطني في الآراء لإنشاء منح اجتماعية في لبنان إلى جانب البرامج الجارية لمكافحة الفقر مثل البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً. في الواقع، ليس هناك في لبنان حتى الآن منحة للأطفال أو بدل نقدي للاعاقة أو معاش تقاعدي اجتماعي، ولبنان بصدد إنشاء منح اجتماعية تهدف إلى معالجة هذه الثغرات. وبناء على ذلك، بدأت شراكة جديدة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة العمل الدولية و”اليونيسف” في كانون الأول 2021 لتطوير نظام المساعدة الاجتماعية وإدخال المنح الاجتماعية من ضمنه، بدءاً من برنامج “البدل النقدي للأشخاص ذوي الاعاقة”.

في حزيران 2021، أطلقت “اليونيسف” منحة “حدي” للأطفال ووسعت نطاق استجابتها في العام 2022 للوصول إلى 130,000 طفل من الأكثر ضغفاً. سمحت منحة الطفل للعائلات بتلقي منح نقدية شهرية مباشرة بالدولار الأميركي لأطفالها، وربطهم بالخدمات والاحالات، وتوفير حزم المعلومات. وفي الوقت نفسه، تتقدم المحادثات مع الحكومة لنقل منحة “حدّي” للأطفال من مبادرة تجريبية إلى منحة وطنية للطفل يعمل على توسيعها وربطها بالنظام الوطني.

الجهات الرسمية المتعاون معها

من الطبيعي أن تكون الحماية الاجتماعية شاملة لعدة قطاعات وتنطوي على مشاركة مكتب رئيس الوزراء والوزارات التنفيذية والبرلمانيين. كما أن التنسيق بين مختلف أصحاب الشأن أمر بالغ الأهمية لتجنب الازدواجية وإساءة استخدام الموارد.

وبحسب “اليونيسف” وبشكل أكثر تحديداً ووفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 69، فإن اللجنة المشتركة بين الوزارات، التي عيّنها رئيس الوزراء سابقاً ويرأسها وزير الشؤون الاجتماعية، تضم وزراء العدل والعمل والصحة العامة والتربية والتعليم العالي والمالية والاقتصاد والتجارة. وعلى هذا النحو، تقود الحكومة اللبنانية تنفيذ الاستراتيجية، بدعم من أصحاب الشأن الرئيسيين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة وشركاء التنمية.

المطلوب من الوزارات لتنفيذ الاستراتيجية

وفي ضوء الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية والمالية وسرعة تدهور الأحوال، يتعين على الحكومة اللبنانية أن تستجيب فوراً وبصورة عاجلة للأزمة وأن تشرع في الاصلاحات اللازمة لتحقيق استقرار الحالة والبدء بالتحرك نحو مسار النهوض، بما في ذلك وضع خطة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.

مسيرة إعداد الاستراتيجية

وقال مستشار شؤون الاعاقة وكبار السن لدى اللجنة الدولية للإنقاذ ابراهيم عبدالله لموقع “لبنان الكبير”: “إن سلسلة اجتماعات عقدت وعلى عدة مراحل شاركت فيها جمعيات الأشخاص ذوي الاعاقة وعدد كبير من جمعيات المجتمع المدني ونقابات العمال والعديد من المؤسسات العاملة في المجال الاجتماعي والمنظمات الدولية بغالبيتها، وتمت مناقشة الاستراتيجية واستعراضها وأخذ الآراء بها. ومن ثم صدرت أول مسودة وتمت مناقشتها ووضع التعليقات عليها بمشاركة وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والصحة والضمان الاجتماعي وجميع المؤسسات المعنية بالحماية الاجتماعية، بعدها عقدت عدة ورش عمل لوضع التعليقات عليها ومن ثم ذهبت الى مجلس الوزراء. لكن قيل حسب المعلومات إنها أعيدت إلى اللجنة الوزارية التي كانت مكلفة بها بحجة أن لبنان لا يستطيع تحملها لأنها تشمل كل المقيمين على الأراضي اللبنانية بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون والنازحون السوريون”.

وأشار إلى أن مسودة الحماية الاجتماعية عندما كانت في طور المفاوضات، أدخل العدد الأكبر من مكونات الاعاقة ومطالبها ضمن الاستراتيجية التي تدعو إلى تعديل القانون 220 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة وتطبيقه ليكون متناغماً ومتطابقاً مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها لبنان مؤخراً، وقد تطورت وأصبحت شاملة وتمّ تبنيها كونها تمثل كل تطلعات حركة الإعاقة في لبنان وطموحاتها.

تمكين اقتصادي واجتماعي

وأوضح ابراهيم أن مفهوم الاستراتيجية يرتكز على دعم الشرائح الموجودة في المجتمع بمن فيهم الأشخاص ذوي الاعاقة وتقويتها وتمكينها اجتماعياً واقتصادياً، وتضم ستة مكونات: المساعدة الاجتماعية وهي دعم مالي يقدم للفئات المهمشة المحتاجة، أما التامين الاجتماعي فيهدف إلى نوع من التأمين الاجتماعي للأشخاص كافة وهذا ما يفرّقها عن الرعاية الاجتماعية، وهي جزء يرتكز على تقديم الخدمات ضمن البيئة المحلية وجزء من الحماية الاجتماعية فقط. ووصفها أحد الخبراء الدوليين بـ “المشظّاة”، لأن برنامج تأمين حقوق المعوقين في وزارة الشؤون لا يؤمن مساعدات كافية . فالرعاية الاجتماعية هي مجرد نمط يقدم دعماً لبعض الأشخاص، ومجرد سياسة أمان اجتماعي، والأشخاص يبقون دائماً بحاجة الى دعم مستمر بينما الحماية الاجتماعية تؤمن التمكين والحماية الصحية من زاوية التكلفة المالية كما تؤمن السبل المالية للحصول على التعليم. كذلك شملت استراتيجية الحماية الاجتماعية الإدماج الاقتصادي ليستفيد جميع الأشخاص ذوي الإعاقة من البرامج التي توفرها الاستراتيجية التي تركز أيضاً على عملية ادماج الاشخاص بالمجتمع وبرامج الدعم الأسرية ضمن البيئة المجتمعية، فيتم دعمهم بدل وضعهم في مؤسسات رعاية اجتماعية وتدعو الى وضع آليات مقوننة لتنفيذ الكوتا في موضوع العمل أي 3% في القطاعين الخاص والعام، كما تدعو الى وضع قاعدة بيانات دقيقة لكل الأشخاص والمستفيدين أو الذين يمكن أن يستفيدوا من الحماية الاجتماعية.

كذلك تركز الاستراتيجية على إزالة العوائق التي قد تحول دون حصول الأشخاص المعوقين على الخدمات الاجتماعية ضمن البيئة التي يعيشون فيها، مثل تسهيل السبل المالية للحصول على الحماية الصحية والبدل النقدي لجميع الأشخاص بهدف مساعدتهم على تحمل التكلفة الاضافية التي تسببها الاعاقة. لذلك، هذا النوع من الدعم والمساعدة لا علاقة له بالوضع الاقتصادي للأشخاص لأن جميعهم يتكلفون الكلفة نفسها للتنقل وهذا لا يشمل الأجهزة المساعدة التي تقع كلفتها في مكان آخر.

وزارة الشؤون الاجتماعية معنية بالدرجة الأولى بالعمل على تنفيذ استراتيجية الحماية الاجتماعية بالتعاون مع وزارات العمل والصحة والمال وبالتأكيد الضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية للاستخدام وجزئياً وزارة التربية اللبنانية خلافاً لبعض الدول التي تعتبرها في صلب الحماية الاجتماعية.

أهمية تنفيذ الاستراتيجية

وتبقى الحماية الاجتماعية حقاً من حقوق الانسان يجب على الدولة تأمينه وضمانه من خلال سياسات وبرامج وآليات شاملة ومنهجية تمكّن الأشخاص ذوي الاعاقة في لبنان من العيش بكرامة واستقلالية، وتعزز قدرتهم على الصمود في مواجهة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية ومخاطر سبل كسب العيش في مختلف مراحل الحياة.

وبما أن الحماية الاجتماعية تساهم في بناء “مجتمع يتمتع فيه جميع أفراده بحياة كريمة، ويقوم على نظام يعتمد نهج حقوق الانسان لتوفير حماية اجتماعية عادلة وشاملة ومستدامة طوال دورة حياة الأشخاص”، فمن الطبيعي أن تكون أرضيتها من الضمانات الأساسية للضمان الاجتماعي والتي تكفل التمتع بالحماية الهادفة إلى منع أو التخفيف من حدة الفقر والضعف والاستبعاد الاجتماعي. ويجب أن تكفل هذه الضمانات، كحد أدنى، حصول جميع المحتاجين على الرعاية الصحية الأساسية وأمن الدخل الأساس طيلة دورة حياتهم.

شارك المقال