زلزال المشاعر

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

من قلب السكون المتمدّد على أطراف أسرّتنا، ومن عمق الليل الذي أسدل ستاره بهدوء على أسرارنا، نهضت الأرض من غفوتها بعنف مباغت، وأيقظت فينا رعباً لم نشهد له مثيلاً. كنا قد مررنا بحروب إسرائيلية، بمعارك مناطقية، وبإعتداءات ميليشيوية، لكن هذه المرة الخوف مختلف، فقد جابهنا كل ما سبق في ذاكرتنا الشخصية والوطنية بشجاعة أكبر وبتحدٍّ عنيد للنكبات. إنّما الزلزال شيء آخر، آخر تماماً.

منذ الثواني الأولى، إنفلتت مشاعرنا من عقالها المكبوت. وتبعثرت الأحاسيس التي ندأب على تغليفها ومحاصرتها في زوايا النفس حيث تذوب وتضمحلّ قبل أن يقتنصها أحد. لقد أصابنا الذعر في الصميم، لم يتسلل إلينا كعادته، بل إنقضّ علينا كفريسة هشّة منهكة.

هزة، نعم، وأية هزة؟! كل ما حولنا يتمايل، وكل ما فينا يرتعش. ما أدرانا بهذه الهزة التي أتت لتعرية ضعفنا وحاجاتنا. وأين توارى ذاك الأمان الذي كنا ننعم به من دون أن نوفّيه حقّه من الشكر والرضا؟ ما بال حياتنا تتهاوى كوهم سعادة بعيد يوشك على التلاشي؟

إنّه الخوف على المصير، على الصغير والكبير. نخشى إنهيار البيوت التي تحتضن أحلامنا، فتتبدّد لتصبح ركاماً ليس إلّا، ونصبح معه مجرّد أشلاء تخالط الأحجار ويخفيها الدّمار.

تتوزع نظراتنا المُهدّدة على المكان، ويثبت بصرنا على بعضنا البعض، هل هذا هو الوداع الأخير؟ هل هي النهاية؟!

أيعقل أن يكون موتاً جماعياً مزلزلاً يجمعنا في بقايا وطن منهار؟ لكن الخلاص أتى من الله سبحانه وتعالى، لقد تضرّعنا إليه فأغاثنا ومرّت الهزة بسلام. تفقّدنا مشاعرنا فوجدناها مفتتّة وعلى عتبة الزوال. ونعيش خوف الإرتدادات لأنها تعيدنا إلى تلك اللحظات القاسية من العجز والاضطراب.

وعندما شاهدنا ما حلّ بأشقائنا في تركيا وسوريا، أدركنا أن الخطر كان حتمياً، والكارثة كانت قاب قوسين أو أدنى، لكن لطف الله أوسع وأعظم مما نتخيّله.

شارك المقال